خلال الفترة الأخيرة زادت التصريحات الإسرائيلية المهددة لقطاع غزة وللمقاومة بما يشير ظاهرياً إلى نية إسرائيلية بمواجهة قريبة في القطاع، وقد صدرت عدة تحذيرات من قبل الجيش الإسرائيلي والمستويات الأمنية بالإضافة لرئيس الوزراء نتنياهو ووزير جيشه أفيغدور ليبرمان، وجميعها تشير إلى قرب المواجهة.

لا شك أن التصريحات الإسرائيلية تشير إلى استعدادات سياسية وميدانية بإمكانية تدهور الأوضاع في القطاع، ومن خلالها نرى أن عملية التهيئة وبناء الانطباعات المسبقة والتمهيدية سواء داخليا أو خارجيا للتوجه للمعركة تزداد كنوع من المحاولة الإسرائيلية بناء شرعية لأي هجوم قد يحدث.

وبالرغم من ذلك، قبل فحص دقة ما سبق يجب الإجابة على سؤال مهم وهو هل هذه هي الاستراتيجية التي تتعامل بها المستويات السياسية والعسكرية مع الوضع القائم في قطاع غزة؟

التصريحات الإسرائيلية بعد حرب العام 2014 لم تنفك عن التهديد والوعيد والحديث عن ثمن غالي قد تتجرعه غزة في حال انفك عقد الهدوء المتبادل، وهذا يشير إلى أن دولة الاحتلال لديها سياسة ممنهجة في هذا الأمر تريد من خلالها تحقيق هدف ترغب به وهو بقاء الهدء لحين استكمال الجدار الأرض العائق على حدود القطاع.

بالعودة لتصريح وزير الجيش الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان بتاريخ 2/3/2017 الذي شخص استراتيجية التعامل مع القطاع بالقول:" الحل الوحيد هو إبداء الحزم وجعل حركة حماس تدرك أنها ستكون هي الطرف الخاسر في كل مواجهة مستقبلية مع إسرائيل".

وقد فسر المحلل العسكري في صحيفة يديعوت أحرونوت في مقالة له بتاريخ 30 مارس 2017 هذه السياسة التي مازالت متواصلة ضد قطاع غزة بالقول إن "إسرائيل اليوم تدير هجمة إعلامية – يرافقها استخدام للقوة – هدفها ردع حماس من المس بالمشروع الأمني المركزي لإسرائيل؛ وهو العائق الجديد حول القطاع، وهذه الحملة كشفت عن بطنها الطرية، وباتت حماس تعرف بالضبط ما هي نقطة الضغط لدى الجيش الإسرائيلي، وهي؛ القدرة على حماية مشروع هائل في حجمه، مشروع يبقي آلاف الأشخاص ومئات الآليات مكشوفة في السنتين القريبتين بجوار حدود القطاع".

وتابع فيشمان: "تهدد إسرائيل كل من يحاول المس بهذا المشروع لدرجة حدوث مواجهة عسكرية شاملة؛ ولهذا الغرض فإن الجيش يجري مناورات علنية على حدود القطاع؛ كي ترى حماس وتستوعب"، مؤكداً أن “القصف الجوي الإسرائيلي الدقيق على أهداف البنى التحتية، بين الحين والآخر، يأتي لتعزيز الرسالة بأن إسرائيل لا تتردد بالدخول في حرب جديدة. ونوه إلى أنه في “حقيقة الأمر؛ أن إسرائيل بحاجة إلى الهدوء كي تنهي العائق، الذي يفترض أن يعطي حلا بديلا للأنفاق ومحاولات التسلل”.

بالعودة للتصريحات الأخيرة لنتنياهو الذي جدد ما قاله سابقاً خلال تخريج طيارين جدد في سلاح الجو بأن حماس تتحمل مسئولية التصعيد، وأن " قرار الهدوء في غزة مرتبط بالمنظمات هناك، ولن نسمح لحماس بخرق هدوء سكان الجنوب"، نجد أن هذه التصريحات جاءت بالتزامن مع تحذيرات رسمية من قبل الجيش الإسرائيلي عرضها للمجلس الوزاري المصغر "الكابينت" بأن الواقع مشابه لما قبل حرب 2014، وهو ما يدلل على تناغم نتنياهو مع هذه التحذيرات وإظهار تبنيه لجميع الخيارات.

الواضح أن الجيش في تقديراته وتحذيراته التي تكررت مؤخراً يقول للقيادة السياسية الإسرائيلية بأن الوضع القائم في غزة الذي لا شك أنه يتدهور مع الوقت ما قد يدفع الفلسطينيين لمواجهة جديدة خاصة في ظل التضييق المشابه لما حدث خلال العام 2014، وعليه هناك فرصة لتلافي هذا الأمر بالتخفيف المدروس لامتصاص الأمر لحين إتمام العائق الأرضي الذي قارب على إتمام 90% من المرحلة الأولى منه.

من ناحية ثانية، فإن تكرار نشر تقديرات الجيش يحمل رسالة داخلية للمجتمع الإسرائيلي بحقيقة الواقع في القطاع لدفعه لتقبل إمكانية الذهاب لحرب جديدة في حال تدهور الأوضاع خلال الفترة المقبلة.

وهنا لا نغفل الجانب الآخر الذي يسعى له الجيش من خلال نشر تقديره بالواقع على حدود غزة وهو توجيه رسالة ردعية للمقاومة في قطاع غزة للضغط عليها لتلافي مواجهة أقسى من تلك التي حدثت في العام 2014، بما يحقق للجيش أريحية في بناء الجدار الأرضي الذي يعتبر المشروع الأهم للجيش حالياً.

في النهاية هناك استراتيجية مازالت المستويات السياسية والعسكرية والأمنية تتعامل بها مع الواقع في قطاع غزة تتمثل برفع مستوى الردع الميداني والإعلامي لمنع المواجهة لحين إتمام مشروع العائق الأرضي الذي يعتقد الجيش أنه سيمكنه من تحقيق صورة النصر بعد تحييد القدرات الخاصة والمفاجئات للمقاومة.