أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية رسمياً عن حالات كورونا خارج مناطق الحجر الصحي، أي داخل قطاع غزة، هذا القطاع الذي تبلغ مساحته 360 كيلو متر مربع، يعيش فيه 2 مليون مواطن، وهو يعتبر المنطقة الأكثر كثافةً في العالم، وقد فرضت إسرائيل عليه حصاراً مشدداً منذ 14 عاماً، ألقت بتداعياتها على مجمل الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، حيث وصل مؤشر الفقر إلى خط 75% حسب تقرير وزارة التنمية الاجتماعية لعام 2019م، وانعدام الأمن الغذائي وصل إلى نسبة 70%، غير ترهل القطاع الصحي، ما يجعل فرص مواجهة كورونا ضعيفة، وتحتاج لتضافر كافة الجهود المحلية والاقليمية والدولية، وهذا يتطلب رفعاً كاملاً للحصار، إلا أن الاحتلال الصهيوني يضع مقاربة على لسان وزير دفاعه تقوم على أولى متطلبات رفع الحصار عن غزة عودة الجنود الصهاينة المأسورين لدى حماس، وهذه المقاربة مرفوضة من قبل فصائل المقاومة، التي تضع ملف الجنود مقابل الافراج عن الأسرى الفلسطينيين، وأن رفع الحصار هو حق طبيعي كون وجوده انتهاك للقانون الدولي الذي يحظر سياسة العقاب الجماعي للمدنيين.
إلى أين تسير الأمور وفقاً لما سبق...؟ هل ثمة رابط بين كورونا وبين انعدام فرص التصعيد...؟ وأي السيناريوهات الأكثر ترجيحاً...؟ مبدأ الحصار أخطر من الحرب أصبح راسخاً ومتوافق عليه فصائلياً وشعبياً، فسياسة العقاب الجماعي يرفضه القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، وعليه يضع الشعب الفلسطيني المجتمع الدولي أمام مسئولياته، فإما يعمل منسجماً مع قواعد وأسس وجوده وإما يتعاطى بازدواجيه معايير ينقلب فيها على قيمه، ويدخل المنطقة نحو تصعيد قد تتجاوز تداعياته حدود قطاع غزة، لاسيما في ظل التقارب بين فتح وحماس وتحديد موعد لقاء الرئيس عباس بالأمناء العامين للفصائل الفلسطينية، والعامل الأكثر أهمية دخول وباء كورونا لقطاع غزة، وتسجيل عشرات الإصابات من داخل المجتمع الغزي.
في تقديري أن حسابات تل أبيب تجاه المشهد في قطاع غزة بعد كورونا ليس كما قبله، منطقياً أن تقدر إسرائيل الموقف بأن كورونا شلت تفكير الفصائل الفلسطينية، وأن كل جهدها الآن ينصب في البحث عن الخارطة الوبائية وأنه ليس من الحكمة الدخول في معركة في ظل اغلاق بعض المستشفيات، وفي ظل الواقع الاقتصادي الصعب، وهنا سيتوافق معظم المراقبون مع هذا التوجه ما يعزز من سيناريو أن قطاع غزة سيعتمد على استراتيجية استنزاف منطقة غلاف غزة كورقة ضغط على الحكومة الإسرائيلية لدفعها لتلبية مطالب المقاومة.
لكن هذا السيناريو يضبطه محدد هام وهو استمرار البحث عن الخارطة الوبائية وتحقيق بعض الانجازات في ذلك، لكن في حال كان العكس وذهبت الحكومة في غزة تجاه سيناريو التعايش مع الفايروس، فهذا السيناريو في غزة لا يصلح العمل فيه كثيراً لاعتبارات المساحة السكان، وطبيعة الترابط الاجتماعي، والواقع الصحي، ما قد يدفع المقاومة نحو الانفجار بوجه الاحتلال، وهو ما يأخذ المنطقة تجاه المواجهة المحدودة وربما المفتوحة رغم ضعف مدخلات الأخيرة، إلا أنها تبقى قائمة ومرتبطة بالمحدد الميداني على الأرض.
في تقديري أن أكثر السيناريوهات ترجيحاً وفق المعطيات الراهنة اتخاذ السلطات في غزة قرار التعايش مع الوباء، وزيادة نسبة الإصابات وربما الخسائر، ما سيعزز من سيناريو المواجهة ويقربها أكثر، وتبقى الكرة بيد الوسطاء وكل طرف يريد تجنيب المنطقة ويلات التصعيد، أن يعملوا سوياً على ثلاث جبهات:
الأولى: تقديم الخبرات والمعونات الصحية اللازمة لتتبع الخارطة الوبائية وعلاج المصابين.
الثانية: العمل على إبرام صفقة تبادل للأسرى والتي لو تمت ستسهل الطريق للوصول إلى تهدئة بموجبها يتم رفع الحصار وهو ما طرحه غانتس وزير الدفاع.
الثالثة: دفع التفاهمات للأمام والوصول إلى مقاربة تنهي الحصار وهذا يعتبر ترجمة لقرارات دولية.