الأشهر الحرم هي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب، كما في الصحيحين من حديث أبي بكرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهراً منها أربعة حرم، ثلاثة متواليات: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب، شهر مُضر، الذي بين جمادى وشعبان" .

أكد عدد من الدعاة أن شهر الله رجب هو شهر الإسراء والمعراج وهو أحد الأشهر الحرم الأربعة المعظمة عند الله لكن لم يرد تخصيص أو تمييز له بعبادة معينة، لافتين إلى أن الإمام ابن حجر العسقلاني أكد أن جميع الأحاديث الواردة في فضل رجب إما ضعيفة أو موضوعة.

وأشاروا إلى أن الفقهاء وأهل العلم ذهبوا إلى أن الذنوب والمعاصي تعظّم في هذه الأشهر الحرم، بسبب شرف الزمان الذي حرّمه الله؛ ولذلك حذرنا الله في الآية بقوله: (فلا تظلموا فيهن أنفسكم) داعين إلى مراعاة حرمة هذه الأشهر لما خصها الله به من المنزلة والحذر من الوقوع في المعاصي والآثام تقديرًا لما لها من حرمة عند الله عز وجل ولأن الذنوب فيها تكون أعظم.

وذكروا أن النبي شدّد على حرمة هذه الأشهر في حجة الوداع، وأن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال في شأن تعظيم الله لحرمة هذه الأشهر الحرم: «جعلهن حرامًا، وعظم حرماتهن، وجعل الذنب فيهن أعظم، والعمل الصالح والأجر أعظم» ، لافتين إلى أن العرب كانت في الجاهلية تحرّم هذه الأشهر، وتعظمها، وتحرّم القتال فيها، كما أن الحيوانات كانت تأمن على نفسها خلال هذه الأشهر من غوائل الصيد بما ذلك الحيوانات المفترسة.

في البداية.. أكد فضيلة الشيخ د. موافي عزب الداعية الإسلامي أن الأشهر الحرم تعظّم منذ عهد الحنيفية السمحاء التي جاء بها إبراهيم الخليل عليه السلام، لافتًا إلى أن هذا التعظيم بقي حتى خلال أيام الجاهلية إلى أن أقره الإسلام بالنصوص الواضحة في القرآن الكريم.

وقال: كانت الأوضاع في الجاهلية وما سبقها من فترات سيئة للغاية، مستشهدًا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي أخرجه الإمام مسلم في صحيحه تلخيصًا للفترة التي سبقت بعثته الشريفة: وإنَّ اللَّهَ نَظَرَ إلى أَهْلِ الأرْضِ، فَمَقَتَهُمْ عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ، إلَّا بَقَايَا مِن أَهْلِ الكِتَابِ»، مبينًا أن ذلك يدلنا على انحراف الإنسانية قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم.

وأضاف: لم يوجد مجال واحد من المجالات يضمن أمن الناس واستقرارهم وسعادتهم، وإنما عاشوا في تعاسة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، نتيجة شركهم بالله تعالى وأكلهم أموال الناس بالباطل واعتداء القويّ فيهم على الضعيف، وهضم حق المرأة والأرملة والمسكين وابن السبيل، ومن ثم انحرفت الإنسانية انحرافًا مروّعًا ومن هذا الانحراف القتل الذي كان يسود جزيرة العرب، ما ترتب عليه أن الناس أصبحوا لا يأمنون على أنفسهم، ليذهبوا إلى بيت الله العتيق لزيارته كما كانوا على عهد إبراهيم عليه السلام.

وتابع: أمام هذه السلوكيات السلبية التي تعطل الشعيرة العظيمة حرّم الله بعض الشهور التي تتعلق بالحج منذ ذهاب الناس إلى عودتهم، حتى يتمكن الناس من الذهاب إلى بيت أبيهم إبراهيم وأداء المناسك بمكة، فالحرمة ليست متعلقة بالمكان فقط وإنما الزمان أيضًا، مبينًا أنه عندما تأتي الأشهر الحرم يتوقف الناس عن السلب والنهب والقتل حتى يتمكن الناس من الخروج من قراهم وقبائلهم ومدنهم ودولهم إلى بيت الله الحرام، فكان هذا من أهم العوامل التي تم بسببها تحريم هذه الأشهر.

وقال: ولذلك حرم الله تعالى فيها سفك الدماء وحرم الاعتداء بأي صورة من صور الاعتداء، بل وحرّم قتل الصيد ما يعني أنه حتى الصيد نفسه دخل في الأمان الرباني فأصبح المَصِيد آمنًا، وأصبحت الحيوانات الوحشية المفترسة آمنة على نفسها، لافتًا إلى قول الله تعالى في سورة البقرة (الآية: 217): «يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللَّهِ». مبينًا أن هذا من أهم العوامل التي دفعت المشرّع إلى أن يحرّم أشهرًا معينة تتعلق بالحج وزيارة البيت العتيق.

ولفت إلى أن الفقهاء وأهل العلم ذهبوا إلى أن الذنوب والمعاصي تعظم في هذه الأشهر الحرم، لافتًا إلى أنه لا يوجد دليل على تحولها إلى كبائر ولكنها تعظم لفضل هذه الأشهر وحرمتها.

وأبان أن الله سبحانه وتعالى قال في محكم التنزيل في سورة التوبة (الآية: 36): «إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ». ما يدل على أن الله سبحانه وتعالى جعل العام 12 شهرًا منها أربعةٌ حُرُم -بتحريم الله تعالى لها- وهي «شهر رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم» وهي أيام الحج.

وعن ظلم النفس في الأشهر الحرم قال فضيلة الشيخ د.موافي: الظلم أنواع منه ظلم العبد لنفسه، وظلم العبد لغيره، مبينًا أن العبد يظلم نفسه بتفويته الحقوق والواجبات أو بالوقوع في المحرمات.

وأضاف: هذه الأشهر لها فضل لأن الله سبحانه قال في محكم كتابه في سورة القصص: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ). وهذا يكون في الزمان والمكان والإنسان والاختيار اصطفاء.

المصدر : وكالات