مع انتهاء الموسم الثالث للانتخابات الاسرائيلية العامة، ونجاح أو فشل أي كتلة في تشكيل حكومة، يكون نتنياهو، قد استقر على رأس الحكومة لعام آخر، يحصل عليه في الوقت الضائع، وربما تمتد ولايته لفترة أخرى، في حال لم تسفر النتائج عن إمكانية تشكيل حكومة.
الحال هو ذاته، والسياسة هي ذاتها، بالرغم من الأزمة التي يعاني منها النظام الانتخابي، حتى لو اتجهت الأمور نحو إجراء انتخابات رابعة أو خامسة. التجربة العملية وليست التحليلات النظرية، التي تتخذ طابع الإسقاطات الرغبوية، تقول، إن هذه الأزمة، لا تعني ان إسرائيل الاحتلالية التوسعية والعنصرية هي في أزمة، تنقلها الى مرحلة الضعف والتراجع الى الحد الذي يهدد الدولة وبقاءها، واستمرارها في تحقيق المزيد من الإنجازات، التي رتبتها الحركة الصهيونية منذ بداية ظهورها في القرن قبل الماضي.
بإمكان الفلسطينيين المختلفين في مراهناتهم ان ينتظروا طويلا، الى أن يستقر الحال في إسرائيل على حزب او كتلة برلمانية، تناسب اكثر من غيرها هذا الطرف الفلسطيني او ذاك، لكن مثل هذه المراهنات، سقطت تاريخياً، وهي لا سبيل للاعتماد عليها في رسم السياسات، خصوصاً وأن الصراع في إسرائيل على الحكم هو بين أطراف اليمين المتطرف. ها هو نفتالي بينيت، وزير الجيش، الذي يزاحم على موقع الرجل الأكثر تطرفاً، قد تحول من الدعوة لشن حرب واسعة مدمرة على قطاع غزة للقضاء على « حماس » والمقاومة، الى المراهنة والدعوة لاعتماد السياسة التي ينتهجها قدوته في التطرف، بنيامين نتنياهو . المسألة بالنسبة لبينيت ليست مسألة نضوج سياسي وإنما تغيير في الحسابات من موقع المسؤولية، والتقرب اكثر من طريقة تفكير بنيامين نتنياهو إزاء ضرورات بقاء وتعميق الانقسام بين الفلسطينيين. يقول بينيت، ان رؤية الدولتين، يمكن ان تتحقق فالدولة الفلسطينية موجودة في غزة، الضفة الغربية بالنسبة لإسرائيل كل إسرائيل تقريبا ما عدا بعض الكتل والأصوات الثانوية، هي ارض إسرائيلية ينبغي استعادتها، كما قال السفير الأميركي في إسرائيل ديفيد فريدمان، والتي «استعادتها» من الأردن خلال حرب حزيران 1967.
الإسرائيليون يمينهم ويمينهم، وما علا هامش اليمين بما في ذلك عمير بيرتس، وحزبه المتهالك، يتنافسون على من يحظى منهم بشرف الإقدام على ضم الضفة الغربية ولو بخطوات متدرجة. ثمة من راهن على ان إصدار المدعية العامة للجنائية الدولية بنسودا، بشأن إمكانية التحقيق في جرائم حرب وجرائم ضد القانون الإنساني من قبل إسرائيل، يمكن ان يفرمل اندفاع السياسة الاسرائيلية نحو إعلان بسط السيادة على الأغوار.
الفكرة لدى السياسة الاسرائيلية الرسمية وغير الرسمية لا تزال واردة بقوة، والأرجح ان إسرائيل ستتخذ مثل هذا الإعلان الذي يعبر عن إجراءات عملية على الأرض، قبل أن ينتهي التحقيق من قبل الجنائية الدولية، إن حصل ذلك.
لا تتوقف الإعلانات عن إقامة المزيد من الوحدات والمشاريع الاستيطانية، والأكثر ملموسية وخطراً منها، ما اعلن عنه، بينيت. بينيت اعلن عن إقامة سبع محميات في الأراضي المصنفة (ج)، ونقل مسألة حيازة الأراضي من المنسق الإسرائيلي للشؤون المدنية الى «الطابو» الإسرائيلي.
هذا الإعلان، يوازي عملياً، قرار ضم هذه الأراضي، سواء أكانت أملاك دولة، او أراضي تم شراؤها، او حتى أراضي مملوكة لفلسطينيين كما تقول منظمة «السلام الآن» الاسرائيلية.
أما في القدس فحدّث ولا حرج إذ تستبيحها إسرائيل بمختلف الوسائل والأساليب، فيما تكثف هجماتها على المسجد الأقصى والحرم الإبراهيمي في الخليل، التي ستضاف الى مستوطنة «كريات اربع» فيها، مستوطنة جديدة.
يتوازى ذلك داخل الأراضي المحتلة، مع توسع استراتيجي تحققه إسرائيل في العلاقة مع العرب، يتجاوز حدود التطبيع الفوقي حتى أصبحت شريكا في عديد المشروعات الكبرى، والسياسات التي تتقاطع عند الأطماع الإيرانية من ناحية والتركية من ناحية أخرى. تتقاطع الخطوط، وتتبدل التحالفات في الإقليم على نحو فوضوي ارتباطا برؤى استراتيجية ومصالح، لا تجد للقضية الفلسطينية مكانا بين أولوياتها، وتنشب حروب وصراعات، محورها المياه ومصادر الطاقة، واستراتيجيات النفوذ والأطماع، بينما لا لون ولا طعم ولا رائحة لسياسة استراتيجية فلسطينية وسط كل هذه الفوضى والصخب الذي يعمّ المنطقة.
لا بل إن الأطراف الفلسطينية لا تزال تبحث عن استراتيجيات وتحالفات لضمان البقاء الذاتي، دون إدراك، بأن قيمة تلك الذوات، لا تساوي شيئاً، في ضوء الخطر الداهم الذي تتعرض له القضية والأرض والشعب الفلسطيني.
اتفق الفلسطينيون واختلفوا حول الانتخابات، التي لا يبدو أنها مسألة قابلة للتحقيق في ظل التعنت الإسرائيلي المتوقع طبعاً، بشأن المشاركة المباشرة لفلسطينيي القدس، ولكن السؤال، هو هل أُقفلت الخيارات، أم أن الضرورة التاريخية تقتضي العودة للحوار والتوافق الوطني، نحو إعادة صياغة وتجديد الشرعيات الممكنة كسبيل، لوضع عصا في دواليب المخططات الإسرائيلية؟