قدمت الفصائل الفلسطينية الثمانية رؤية وطنية مصاغة بدقة متناهية وتراعي طبيعة المرحلة التي تعصف بالمشروع الوطني الفلسطيني.
حركة حماس قبلت الرؤية، وحركة فتح لم ترد رسمياً حتى اللحظة إلا أن المؤشرات التي صدرت عن قادة الحركة تذهب باتجاه الرفض والإصرار على اتفاق أكتوبر 2017م كممر إجباري وحصري للمصالحة.
لماذا قبلت حماس رؤية الفصائل..؟ ولماذا رفضت فتح الرؤية…؟
لمعرفة أسرار قبول حماس ورفض فتح، لابد من تثبيت زاوية الرؤية نحو المبادرة، فهل هي زاوية وطنية أم حزبية..؟ هل يختلف أحد معي أن ديمومة واستمرارية الانقسام هي مصلحة استراتيجية لإسرائيل، وأن الولايات المتحدة لا ترغب في إنهائه، يضاف إلى ذلك أزمة الثقة بين حركتي فتح وحماس التي صنعت جماعات مصالح تعمل على بقاء الانقسام، حتى أصبحت تلك الجماعات مؤثرة بل صانعة للقرار السياسي.
وفقاً لما سبق فإن زاوية الرؤية للمبادرة الفصائلية هي زاوية حزبية يتم فيها تغليب الصالح الحزبي الخاص عل الصالح الوطني العام، ووفقاً لهذه المعادلة تعالوا نضع المبادرة على ميزان الربح والخسارة الحزبي لحركتي فتح وحماس.
التفكير الحزبي لحركتي فتح وحماس في التعاطي مع المبادرة وفقاً لميزان الربح والخسارة هو كما يلي:
منظمة التحرير الفلسطينية: فتح تهيمن على مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية والتي تمنحها شرعية سياسية في المحافل الدولية والاقليمية، وعليه فإن أي انتخابات للمجلس الوطني كفيلة بفقدان الهيمنة المطلقة لحركة فتح على مؤسسات المنظمة، في المقابل حركة حماس غير ممثلة في المجلس الوطني سوى مقعدين لحزب الخلاص، وحتى المجلس التشريعي تم حله من قبل الرئيس عباس. وعليه أي نسبة قد تحصل عليها حركة حماس والجهاد الإسلامي ستكون على حساب حركة فتح وحلفائها.
حكومة وحدة وطنية: اليوم حركة فتح ترى أنها ترأس الحكومة وتسيطر على مفاصلها بشخصيات حركية وتكنوقراط، ولكن في حال تشكيل حكومة وحدة وطنية فهذا يعني مشاركة حماس لها وربما شرعنة حكومة حماس وموظفيها وقراراتها التي صدرت بعد الانقسام.
الانتخابات العامة: حركة فتح تسيطر على منظمة التحرير الفلسطينية، وعلى مؤسسة الرئاسة، وعلى المحكمة الدستورية التي حكمت بحل المجلس التشريعي المنتخب.
الانتخابات الشاملة تعني فقدان فتح لمبدأ الهيمنة المطلقة على مؤسسات م.ت.ف، وأن السيناريو الأسود بالنسبة لها يتمثل في تحلف انتخابي بين حماس واليسار والتيار الاصلاحي خلف مرشح مستقل يحظى باحترام المجتمع، وهو ما يعني أن فرص فقدان فتح لمنصب رئيس السلطة قوية جداً، وضمن مبدأ المخالفة فإن حماس هي الكاسب الأكبر في اجراء انتخابات رئاسية ومجلس وطني، والعكس صحيح بالنسبة للمجلس التشريعي والذي رغم حله من قبل الرئيس محمود عباس فإن خبراء القانون الدستوري والمراقبين لا يقرون بشرعية الخطوة وقانونيتها، وعليه فإن فتح والرئيس عباس معنيين بإجراء انتخابات تشريعية فقط لحسم هذا الجدل، وسحب شرعية حماس البرلمانية كأغلبية في المجلس التشريعي.
ما سبق هي منطلقات رفض فتح للمبادرة وقبول حماس لها، لأن العقل الفلسطيني لم يتحرر من الحزبية المقيتة، ومن منطق التفرد، فالصالح العام يقتضي قبول هذا المبادرة لمواجهة التحديات التي تعصف بالقضية ممثلة بصفقة القرن ووعد نتانياهو بضم مستوطنات الأغوار وشمال البحر الميت، وعليه ينبغي التركيز حتى يكتب للمبادرة النجاح ما يلي:
فتح حوار جدي مع حركة فتح لإقناعها بأهمية الرؤية كممر اجباري لإصلاح وتوحيد مؤسسات النظام السياسي الفلسطيني على أسس ديمقراطية لمواجهة صفقة القرن والتحديات التي تعصف بالمشروع الوطني والتي تتطلب بأن يغلب الجميع الصالح الوطني العام على الصالح الحزبي الخاص.
وقف أي توتير للساحة الإعلامية وضبط الخطاب الاعلامي.
ينبغي أن تعمل الفصائل الفلسطينية مع الشباب الفلسطيني والمجتمع المدني والوسطاء لا سيما مصر لممارسة ضغط ناعم لإقناع الرئيس عباس بالرؤية الوطنية للفصائل الثمانية، فلو لم تكن تلك الرؤية وطنية ما وقعت عليها فصائل يعتبروا حلفاء للرئيس عباس وفتح مثل: حزب الشعب وفدا والمبادرة الوطنية.
جميل لو أن حركة حماس والفصائل قدمت مبادرة تحفظ مكانة الرئيس محمود عباس في حال خسر الانتخابات الرئاسية، عبر ميثاق شرف بأن مبدأ الشراكة هو الذي سيسود وليس المغالبة والاقصاء والثأر.