كم مرة ارتفع منسوب الأمل لدى المواطنين مع كل حديث عن المصالحة؟ مرات عديدة طار المواطنون فرحاً وفي كل مرة يرتطمون بالأرض فتثخنهم جراح الأمل المكسور ثم يعاودون الكرة مرة أخرى، تلك أصبحت لعبة عبثية وسط حالة الفراغ واللاشيء الذي يلف الحالة الفلسطينية دون أن نتوقف عن تعلم الأمل والتعلق فيه.
هذه المرة في القاهرة الراعي الحصري لملف المصالحة بعد أسبوعين فقط من جولة أمل في أنقرة انتهت بخيبة كبيرة انضمت الى جملة الخيبات التي سبقتها ولكن لأن القاهرة حسب اعتقاد الناس تستطيع تفاءلت الناس بقدر أكبر وفي كل مرة أجد نفسي مضطراً للكتابة في محاولة تحقيق نوع من التهدئة حتى لا يصابون باحباط جديد يضاف الى حفلة الكآبة التي أصبحت لصيقة بأبناء هذا الشعب مما فعله بها الزمن وصراع العبث.
المصالحة صعبة هذه هي الحقيقة التي جسدتها عشر سنوات من المحاولات الفاشلة وقد يكون في هذا ما يدعو للصدمة ولكن الواقع المرير كان شاهداً على هذا الفشل الذي تكرر حتى أصبح نظرية وجزء من الوقائع الفلسطينية ليس لأن أطراف الانقسام لا يريدون مصالحة بل لأن ما هو قائم على الأرض أحدث تباعداً هائلاً في مواقف الأطراف لتجد نفسها أقرب للانفصال ولأن المعرفة والخبرة المتكونة لديهم عن القواسم المشتركة والتنازلات لم تنضج بعد فلا زالت ثقافة ابعاد الآخر هي السائدة رغم كل ما يحدث.
لكن الأهم في ملف المصالحة وصعوبة تحققها هو أن غزة التي أضحت محل الخلاف ومدخل المصالحة خرجت منذ زمن من عباءة السلطة وما نشأ هنا من بنية مدنية وعسكرية وثقافية في حالة تضاد تام مع بنية السلطة ولا أحد يعتقد أن حركة حماس مستعدة لمناقشة ما تم بناؤه ولا أحد يعتقد أيضاً بقبول الرئيس أبو مازن بما أنشأته حركة حماس.
دائماً ما كنت أجيب عند السؤال عن المصالحة بسؤالين اعتقدت أنهما يمثلان جوهر الأزمة ومدخل الحل الأول هل تقبل حماس بعودة السلطة بالتزاماتها ؟ والثاني هل تقبل السلطة ببرنامج حماس وقواتها المسلحة؟ والى حين أن يقبل أي منهما الآخر ممكن حينها أن نبدأ بالتفاؤل حول المصالحة فالخلاف الحقيقي بين الجانبين هو خلاف برامجي وفي كل مرة تتجاهل الأطراف هذا الخلاف ويبحثون في قضايا فرعية ذات طابع اجرائي تكميلي متهربين من نقاش العقدة الحقيقية وفي كل مرة يصابون بالفشل وهذا ليس صدفة.
منذ الأمس بدأت التسريبات من القاهرة كأنها حقائق لم تكن تتناسب مع واقع التاريخ الطويل للمصالحة وذهبت بعض وسائل الاعلام للحديث متحمسة عن ساعات حاسمة في القاهرة وبدأت البنود المفترضة والمقترحة في النشر على غرار بنود أنقرة والتي حلت نظرياً كل الخلافات وأخذ الناس يغردون كما في قصة تركيا بأنهم هذه المرة متفائلون كما كل المرات بلا شفاء للأمل الذي يتعلق به الناس محاولين تجاهل العقم الذي أصاب الحالة السياسية فعجزت عن استيلاد مصالحة وفي كل مرة كان الحمل كاذباً فلماذا سيكون الأمر هذه المرة مختلفاً رغم أن الواقع كفيل بارشادنا جميعاً بحقائق دامغة لا يكذبها العقل لكن القلب الذي اكتوى بهذا الانشقاق الطويل لم يتعلم الدرس مبقياً على شعلة الأمل دون حساب.
ربما أن الأسئلة الصعبة التي رافقت بدايات الأزمة لازالت قائمة وتشكل الاجابة عليها واحداً من مفاتيح المصالحة، هل ما حدث في غزة قبل عشر سنوات كان مصادفة؟ هل انتصرت قوات حركة حماس على قوات السلطة أم أن غزة سلمت لحركة حماس كما يعتقد كثيرمن المواطنين؟
فاذا كانت قد دارت معركة حقيقية على أرض غزة وهناك من انتصر وهناك من انهزم ، منطق الأشياء أن المهزوم يدفع الثمن ولا أحد هنا مستعد لتقديم تنازلات لأن في الحقيقة لدينا طرفان مهزومان والماساة أن كل منهما يشعر بالنصر والقوة ، أما اذا كانت غزة قد سلمت فلماذا الاعتقاد بأنه آن الأوان لاعادتها؟ هل حدثت تحولات كبرى حتى نفترض أن أمر الانقسام يجب أن ينتهي؟ لذا فان العجز الذي تبدى سابقاً لم يكن وليد المصادفات بقدر ما أن هناك شيء آخر.
لن ينتهي الانقسام بنفس الأدوات السابقة، مناورات التملص والقاء الكرة في ملعب الآخر أغلب الظن أن مبادرة القاهرة الجديدة ستأخذ أيام من المشاورات وتتبدد عندما ننشغل الأسبوع القادم بقضية الأمم المتحدة وخطاب الرئيس ولقاء الأميركان وخطاب نتنياهو... لن ينتهي الانقسام الا بضغط شعبي أو اعادة السلطة للشعب من خلال الانتخابات ودون ذلك من المستبعد أن يحدث اختراق كبير...!!!