بدون استئذان، رحل الزميل شادي أبو شدق "أبو فارس". شكّل موته صدمة لكل من عرف هذا الصحفي الإنسان، تكاد تعادل الصدمة في وقعها سرعة المرض اللعين الذي باغته والذي أودى بحياته قبل أيام من العملية الجراحية.
موجع كان ذهابك "شادي" بهذه السرعة.
ماذا قلت لرفاقك يا شهيد قبل الرحيل؟ أي وصية أودعتها في عهدتهم؟
ما أصعب فقدانك يا رفيق. كان شادي مشروعاً ديناميكيًا ونهراً جاريًا من الاسئلة حول قضايا أبناء شعبه الإنسانية والاجتماعية يسابق الوقت ظفرًا في الإجابات.
كان يرفض الرد بالكراهية على من تخثّرت دماء الحقد تحت أظافرهم وسبّاقًا في الصفح عن الآثمين والمعتدين على حقّه.
منذ صغره، تملّك مواصفات قيادية ووعيا ثوريا مكّنته من أن يمتلك ناصية السؤال عن أحوال الناس وتعقيدات الحياة الاجتماعية والسياسية التي تعصف بمعاشهم، وكان عاشقا للجبهة الشعبية وسيفاً في غمدها ومخلصًا لرفاقه وزملائه وجنرال إذاعته.
المقاتل، كان لرحيلك المبكر طعم آخر في بلاد أدمنت طعم الخسارات والجنازات الباهتة، كنت صوتاً صادقاً، وابتسامة تنثرها في وجوه من حولك وحتى المارين مرور الكرام من أمامك، كلما تخيلتها الآن يا شادي، أمّلتني برؤيتك غدا.
الآن أيقنت أني لن أراك ثانية وقد سمعت رفيقا قال فيك ذات بوحٍ: إذا لم نكون الآن يا شادي، فمتى سنكون؟، أنت الذي جسدت شعار (بالدم نكتب لفلسطين... بالدم نكتب لكل بقعة من وطننا الحبيب) وخططته بوجعك وبأناة صبرك واحتمالك.
لم تكن مجرد ناقل وناشر للحقيقة بل كنت أنت الحقيقة في كل مرة وما حولك ظلّ السراب، كنت جزءا لا يتجزأ من رحم هذا الشعب وهذا الوطن ومن هذا العالم الحر.
الشهيد شادي أبو شدق كان مسؤولا في نقل معاني الانتماء إلى هذا الوطن ومبادئ العالم الحر إلى الحيز الواسع عبر الإعلام المسموع، كيف لا وهو الذي جسد قاعدة الحفاظ على الثوابت الوطنية والإنسانية في حيز الصحافة الحرة، والتي لا يمكن أن توضع تحت مقص الرقيب أو أن تختزل أو توضع في شرك فصل الأنسنة عن المهنية المحضة، وربطها بسياسة تحريرية منحازة فئويًا أو متواطئة تشكّل في مجملها هروب من الحقيقة وانقلاب على الثوابت التي عود شادي جميع من حوله على حرمة النقاش حولها أو اتيانها بغير وجهها الوطني والوحدوي.
أكد شادي على الدوام على ضرورة أن تكون المؤسسة الإعلامية الفلسطينية ذات طابعٍا وطني ومهني صادق، وهو من نشد الحقيقة رغم الظروف والضغوطات والاعتداءات والاعتقالات والتهديدات سواء كانت داخلية وخارجية.
على منابر الإعلام وحوّطها وحماها وكان حارسها الذي لا يعفو طرفة عين عنها، رحل شادي، الصحافي المنحاز لهويته الوطنية، أتذكر اللحظات التي جمعتني مع شادي كعضو في التجمع الصحفي الديمقراطي و محرر للأخبار في إذاعة صوت الشعب ومعد لبرنامج "نبض البلد"، لقد كان صحفيا ثائرا ودقيقًا في متابعة قضايا وهموم المواطنين وحل قضاياهم مع المسئولين، وأتذكره في عدوان 2014، حينما كنا نتوسل إليه ليذهب ويرى عائلته وابنه وكان يواجهنا بالرفض، كيف لا وهو الذي لم يترك تغطية للأحداث إلا وكان على رأس تفاصيلها ومنبرًا صادحًا لنشره لإيصال الحقيقة للمواطنين طمأنتهم، ولكن العدو الصهيوني وجد ضالته في أذيتك والانتقام من نضالك، أبى إلا أن يعرقل مسيرة علاجك في مستشفيات الأرض الفلسطينية المحتلة.
بصبرك ونضالك خرجت للعلاج في مستشفيات الشقيقة مصر، عزاؤنا في الشهيد شادي أبو شدق أنه غادرنا جسدنا، وسيظّل في عقولنا ووجداننا، لأن الشهيد الأديب غسان كنفاني قال ذات مرة في أيقونات النضال "تسقط الأجساد لا الفكرة" وأنت فكرة يا شادي وستظل فكرة نضالية عظيمة عابرة للأجيال والأمكنة والأزمان.
ولأننا أحببناه وودنا لو انتظرنا الموت لكي نودّعه ونشفى من حبه ورفقته، ولكن الموت بستاني بارع لا يقطف إلا أجمل الزهرات.
نقول لشادي في وداعه الأخير اقبل منا أن نذرف عليك دمعة فراق وأسى، نموت قهراً إن لم نفعلها، دمعة واحدة فقط خروجاً عن المألوف وتقاليد الفرح بالشهادة. يا ابن الجبهة يا ابن التجمع يا ابن صوت الحقيقة.