لقد تجرأ دونالد ترامب على اقتراف خطيئة القرن التي لم يجرؤ أحد على فعلها، وبعد المؤتمر الصحفي الذي اعترف فيه بالقدس عاصمة لإسرائيل، رأينا نتنياهو يدعو دول العالم للعمل على نهج ترامب وبعد يومين رأينا داني دانون (سفير إسرائيل في الأمم المتحدة) يدعو دول العالم لاتخاذ نفس النهج، وكأننا في مزاد علني خلال انعقاد الجلسة الطارئة لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، حيث رفض ١٤عضواً من أصل ١٥ قرار ترامب الخاص بتقرير مصير القدس. ما حصل في الجلسة الطارئة لمجلس الأمن هو أشبه بجلسة توبيخ دولية ضد ترامب، بعد أن تحدث مندوبو كل من (الصين، فرنسا، بريطانيا، روسيا، إيطاليا، الأوروغواي، أوكرانيا، بوليڤيا، مصر، اليابان، السينغال، السويد، اثيوبيا والأردن) رافضين قرار ترامب باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل لعدة أسباب وسنتناول الآن المخالفات القانونية للقرار وآثاره السلبية الحتمية:
أولاً: فعل أحادي الجانب فيه مخالفة صريحة للاتفاقيات الموقعة بين الطرفين (بالتحديد البند السابع من الاتفاق الانتقالي عام 1995 "لن يقوم أي طرف باتخاذ خطوات من شأنها استباق نتائج مفاوضات الحل النهائي، التي حددت القدس والحدود والمستوطنات واللاجئين والأمن والمياه."
ثانياً: قرار ترامب فيه مخالفة صريحة لقرارات الأمم المتحدة الحافظة لحق الشعب الفلسطيني في القدس الشرقية وكافة الأراضي المُحتلة عام ١٩٦٧ ونذكر منها (قرار 242 عام 1967، وقرار 253 عام 1968، وقرار 267 عام 1969, وقرار 298 عام 1971، وقرار 476 عام 1980، وقرار 478 عام 1980، والقرار الأخير 2334 لعام 2016) كلها أعلنت بطلان الإجراءات التي اتخذتها إسرائيل لتغيير وضع القدس وكل هذه القرارات وغيرها تنظر للقدس الشرقية كمدينة مُحتلة وتؤكد حق الفلسطينيين على أراضي ١٩٦٧، وأن تقرير مصيرها يأتي من خلال مفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين ويُعتبر أي إجراء أحادي من شأنه تغيير الوضع القانوني والإداري للقدس باطلا ومرفوضا.
ثالثاً: القرار يؤثر سلباً على شرعية وسمعة مجلس الأمن والهيئة الأممية وهو استهتار واستخفاف صريح ومباشر برؤساء وقادة وملوك وأمراء وزعماء كل الدول والممالك العربية والإسلامية والمسيحية الإقليمية والدولية التي تعمل من أجل السلام.
رابعاً: قرار ترامب هو أكبر أشكال التحريض على العنف في المنطقة، الرئيس الأمريكي يتحدث عن الواقع والأطفال والأمل ولكنه فعلياً يدمر كل هذه الوقائع وتدخل مباشر بشؤون الدول.
خامساً: مشاكل ترامب الأمريكية الداخلية لن تُنسى مع قرار القدس بل على العكس فهو نزع وحرم واشنطن من الصفة الإيجابية التي تتغطى بها الولايات المتحدة على مدى الربع قرن الماضي بصفتها الوسيط للسلام.
خطيئة القرن التي اقترفها ترامب يمكن للفلسطينيين استغلالها كفرصة القرن؛ فمن غير قصد، قدم ترامب فرصة للفلسطينيين للاختيار بين عدة استراتيجيات خروج من الوضع الراهن منها:
• التخلص من تبعية التزامات الاتفاقيات الموقعة، والتبرؤ منها حيث أن قرار القدس يخالف البنود الأساسية لاتفاقيات المرحلة الانتقالية ويُخرج القدس من المُعادلة المُتفق عليها.
• التخلي عن الدور الأمريكي وفتح الباب لضرورة توجه الفلسطينيين لطرف آخر للعب دور الوسيط في أي عمليات تسوية مستقبليّة.
• تغيير الاستراتيجية السياسية وخيارات الحل، فالقدس هي مربط الفرس الذي حله ترامب باعتبارها عاصمة لإسرائيل وهنا سهل لنا الطريق لتبني خيار الدولة الواحدة والمطالبة بحقوق مدنية متساوية للشعبين.
• ندرك أن القدس عربية ولكن حان الأوان لاتخاذ قرارات سريعة على مستوى منظمة التحرير الفلسطينية دون الاضطرار لانتظار تنظيم جلسات عربية أو إسلامية قد تأخذ وقتاً لا يحتمله الواقع.
خيارات صعبة ولكن حان الأوان لموقف فلسطيني سياسي صلب يلبي متطلبات المرحلة وهذا بالتوازي مع ضمان تحقيق الوِحدة الداخلية.