ما من شك فيه أن الوعي و المعرفة عاملان رئيسيان في تعميق قناعة الدفاع عن الفكرة خاصة و إن كانت تمثل في جوهرها قضية وطنية و مصير شعب سلبت أرضه و حقوقه عنوة ، فكثيرة هي النماذج الثورية التي لولا ثقافة الوعي بمختلف أنواعه لما استطاعت إحراز انتصاراتها على أعدائها.
و في حالنا الفلسطيني و منذ سنوات غيبت فكرة التثقيف و التعبئة الفكرية و شحت معها ثقافة الأدب المقاوم فأضعفت السياقات الكفاحية الفردية و الجماعية فالنتيجة المؤسفة عزوفا كبيرا عن المشاركة النضالية الناجزة خاصة في أوساط الشباب إضافة للعوامل الأخرى ، و هذا بسبب القصور و التقصير من جانب الحركة الوطنية على مختلف توجهاتها السياسية و الفكرية التي من واجبها صقل شخصية منتسبيها بالوعي الوطني المعرفي و غرسه في العقل و تنميته ليكونوا قادرين على مواصلة طريق الكفاح بقناعات راسخة تقوم على أسس معرفية تمكنهم من المشاركة في و صنع القرار تنظيميا كان أو سياسيا و تمنحهم القدر الكافي للدفاع عن عدالة و مشروعية نضالهم في ظل ما يواجهه من نكوص و اختزال ، و لعل الربط بين النظرية و التطبيق أمر غاية في الأهمية يشكل قوة الدفع الحقيقية أيضا في إتجاه تحليل الواقع لمعرفة تفاصيل التغيرات و توظيف هذا الأمر في اتخاذ القرار السليم و بما يضمن الحفاظ على المصالح الوطنية العليا و تجنيبها المخاطر .
إننا اليوم بحاجة ماسة لإعادة استحضار الثقافة الوطنية المصبوغة بالأدب المقاوم و الالتفاف حولها بإحياء المكتبة الفكرية مطالعة و حوارا في كل أماكننا فهي قادرة على تثوير الفكر الكامن في الباطن و دفعه ليصبح سلوكا و ممارسة كفاحية تبقي القضية حية في مواجهة المحاولات الخبيثة لتصفيتها و طمسها إلى جانب ما نحتاجه أيضا لمحاربة الآفات الضارة كالتعصب و الفئوية و نسد به ثغرات قد تتسلل لأجيالنا عبرها الآفة الأخطر " آفة الإحباط و اليأس " و الشعور بالعجز .
إننا نتطلع كي نصقل ثقافة هذا الجيل و الأجيال المتعاقبة كي يصبحوا رجال تحت الشمس كما ارادهم غسان كنفاني قادرين و نساء قادرات على دق الخزان و إن كانت أياديهم خلف ظهورهم كحنظلة الذي جسده ناجي العلي الناظر و الناطر لعودته للشجرة قريته مسقط رأسه في شمال فلسطين جسده بريشته البسيطة قبل أن يكتموا أنفاسه الأخيرة برصاصة كاتمة غادرة غارت في جسده في المنافي ، نريدهم أن يكونوا العشرين مستحيل في اللد في الرملة في الجليل مثلما صدح به الراحل قائد انتفاضة الدفاع عن الأرض توفيق زياد ، نريدهم ان يتعلموا كيف يسقون الفولاذ و يتمردون على أعواد المشانق مثلما أراد الثائر يوليوس فوتشيك في أقبية سجنه المقفهر و كيف أنشد مانديلا الحرية و العدالة فسحق التمييز العنصري و صنع الحرية نموذجا عظيما ، نريد ان نراهم يسلكون مسيرة الكفاح كما سلكها الاسطورة غاندي في مسيرة الملح التي قطعها و معه الاحرار بأربعمائة كيلو متر سيرا على الاقدام ، نريدهم أن يعرفوا أن خلف القضبان في سجون الاحتلال كنوز ثمينة من المعرفة يكتنزها أبطال خلدوا أدب السجون الذي شكل إضافة نوعية للفكر الوطني و النضالي خلدوه بليال طوال لسنين حرمانهم من الحرية التي سيظل ينشدها شعبنا الحر بالوعي بالفكرة التنويرية انتصارا على القهر و الظلم و الاستبداد .