سيعقد خلال يومين في القاهرة إجتماع المصالحة الموسع الذي يضم جميع القوى السياسية الفلسطينية ، ويمكن لهذا الأجتماع، إن صفيت النوايا، أن يمثل فرصة ذهبية ونادرة لإستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية المفقودة.
وإذا تحققت الوحدة فإن أهم هدف للمصالحة سيتحقق وهو تقوية البنيان التحرري الفلسطيني وتعظيم قدرته في وجه محاولات تصفية القضية الوطنية الفلسطينية .
وسيمثل ذلك مدخلا لتعديل ميزان القوى المختل لصالح الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال ومنظومة الأبارتهايد العنصرية التي أنشأها والتقدم على طريق تحقيق الحرية والتحرر والاستقلال.
ومن شأن ذلك تحقيق الهدف الثاني وهو إستعادة الشعب الفلسطيني للديموقراطية المفقودة، ولحقه الطبيعي في إنتخاب ممثليه وقادته ، وما يعنيه ذلك من إستعادة لمبدأ فصل السلطات واعادة وجود مجلس تشريعي، أو برلمان دولة، قوي وفعال، وتكريس إستقلال القضاء وإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني بما يضمن ديموقراطيته وشرعيته التمثيلية وفتح الطريق لسياسات إقتصادية وإجتماعية تركز على دعم الصمود الوطني على الأرض في مواجهة الإستعمار الإستيطاني والحركة الصهيونية .
وإذا إنجزت المصالحة فسنكون كفلسطينيين قادرين على تقديم نموذج متقدم لكل المحيط العربي بإرساء مبدأ الشراكة والتشارك، والتعددية السياسية على أسس ديموقراطية ، وبما يلغي مذهب حكم الحزب الواحد، او الفرد الواحد، أو المجموعة الواحدة .
بل سنكون قادرين على تقديم نموذج راق في بناء جبهة وطنية موحدة ضد الإحتلال والتمييز العنصري ، تتعرز قوتها بإستيعابها للتنوع السياسي في إطار قيادة وطنية موحدة تكون مسؤولة وقادرة على تحقيق وحدة القرار السياسي والكفاحي.
وما سيقربنا من تحقيق هذه الاهداف ، هو أن يكون جدول أعمال لقاء القاهرة واضحا وشاملا، وأن لا يضيع الوقت في نقاش ما تم التوقيع عليه في إتفاق المصالحة عام 2011 .
ولعل المدخل الفعال للقاء مثمر يكمن قبل كل شيء في قبول مبدأين : أولا القبول بمبدأ ونهج الشراكة كأساس للعلاقات الوطنية الفلسطينية وللنظام السياسي.
وثانيا أننا تلتقى على أساس برنامج وطني كفاحي لإنهاء الاحتلال ونظام الأبارتهايد العنصري ولتحقيق أهداف الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال وتحقيق حق العودة ، وأن لقاءنا سيتم على أساس رفض التنازل عن الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني بكل مكوناته ، والتصدي للضغوط التي تستهدف تدجين الساحة الفلسطينية للتعاطي مع مشاريع مشبوهة بالإنحياز لإسرائيل ، والمس بالثوابت الفلسطينية كالحق في الحرية والسيادة، أو مكانة القدس كعاصمة للشعب الفلسطيني أو بحقوق اللاجئين الفلسطينيين المهجرين قسرا من وطنهم.
ولتحقيق ما ذكر، فلعل الإجتماع يقر تشكيل حكومة وحدة وطنية قوية ، ويحدد موعدا قريبا لإجراء الإنتخابات الديموقراطية الرئاسية والبرلمانية وللمجلس الوطني " حيثما أمكن ذلك" ، ويضع آلية لانضواء كافة القوى في منظمة التحرير الفلسطينية وعقد مجلس وطني توحيدي يضم الجميع ويضع أسس ومكونات إستراتجية وطنية فلسطينية مشتركة وموحدة.
غير أن التقدم في هذا الطريق النبيل، يتطلب أيضا عددا من الإجراءات المرافقة، وفي مقدمتها الغاء كل الإجراءات التي سبق أن أتخذت تجاه قطاع غزة وخاصة ما يتعلق بالكهرباء ، والاطلاق الفوري لعمل لجنة الحريات لضمان حرية العمل السياسي والإجتماعي لكل الفلسطينيين دون تمييز وتحريم كل اشكال الاعتقال السياسي ، والإسراع في معالجة كافة قضايا المصالحة المجتمعية . ويشمل ذلك التوافق على آليات عمل اجهزة الأمن الداخلي التي يجب ان تكون محيدة بالكامل عن الفئوية الحزبية والفصائلية في كافة الاماكن، والإسراع في تفعيل عمل معبر رفح لكسر الحصار المفروض على قطاع غزة.
ومن بالغ الأهمية تجنب كل ما قد يفهم على أنه إستهداف لحق الشعب الفلسطيني في مقاومة الإحتلال والدفاع عن النفس في مواجهة إعتداءاته.
سيراقب الشعب الفلسطيني ما سيحدث في الأيام القليلة القادمة ، وسيحاول أن يغلب شعور التفاؤل على الذكريات المؤلمة لتجارب فاشلة سابقة، ومن واجب الجميع بذل كل طاقاتهم كي لا يخيبوا آمال الشعب الفلسطيني، ويستجيبوا لتفائله القلق والمشوب بالحذر .
وستراقب أطراف خارجية كثيرة ما سيحدث ، بعضها دول وشعوب صديقة تريد للفلسطينيين أن يخرجوا من محنة الأنقسام الذي عاشوه، وبعضها أطراف وحكومات معادية تريد قتل الوحدة والمصالحة في مهدها خدمة لاهداف العدو الأكبر للمصالحة وهو حكومة إسرائيل .
أمامنا فرصة كبرى يجب إستثمارها ، ويمكن إستثمارها، إن أبقى قادة القوى والفصائل في اذهانهم ، وهم في غمرة النقاشات واللقاءات، صورة ومستقبل أطفال فلسطين.