منذ أن أعلنت حركة حماس عن حل لجنتها الإدارية في السابع عشر من أيلول الماضي، أي منذ شهرين كاملين وحتى الآن، لم تقدم السلطة المركزية على أي فعل يذكر من شأنه القول بأنها تقدمت باتجاه ملف إنهاء الانقسام، ولم تقم ببادرة حسن نية، من قبيل التراجع عن خصم ثلث الراتب، أو التوقف عن متابعة إجراءات التقاعد المبكر، أو حتى فعل شيء حاسم على صعيد توفير الخدمات العامة، من كهرباء أو بناء مدارس أو مستشفيات، ما جعل مسار المصالحة يسير ببطء ينطوي على الخشية من الانتكاسة، بفعل فاعل أو جراء عارض غير منظور.
فقط قامت حكومة السلطة باستلام مقرات الوزارات والمؤسسات العامة والمعابر، بعد أن أخلتها لها حماس، بل وسهلت مهمة استلام المسؤولين القادمين من رام الله لغزة، وكان صريحاً تماماً عزام الأحمد حين قال بأن الحكومة قد تمكنت بنسبة 50 % من غزة بعد تسلمها المعابر مطلع هذا الشهر، وأنه بعد تمكينها ستتم الدعوة لاجتماع القاهرة .
وحيث إن اجتماع القاهرة قد تمت الدعوة إليه، وسيجري في الحادي والعشرين الجاري، أي بعد أسبوع من الآن، فإن ذلك يعني بأن الحكومة قد تمكنت من غزة، وأنها مسؤولة عنها تماما الآن، وهي مطالبة بالشروع فورا، بالبحث في مشكلات القطاع العديدة والبدء في إيجاد حلول لها.
وحكومة التوافق الحالية ما هي إلا حكومة انتقالية أصلا، تم تشكيلها لتنفيذ مهمة محددة وهي تنفيذ اتفاق إنهاء الانقسام على الأرض، والتحضير لإجراء المرحلة التالية من اتفاق القاهرة، وهي إجراء الانتخابات العامة، بل وحددت لها فترة ستة أشهر، حين جرى التوافق على تشكيلها قبل ثلاث سنوات، على أثر اتفاق الشاطئ.
وحكومة السلطة أولا وأخيرا هي ليست حكومة سياسية، ذلك أن هناك مرجعية عليا لها وهي (م ت ف) وخير دليل على ذلك أن الاتفاقات السياسية تجري دون أن تكون الحكومة لا برئيسها ولا بأي أحد من أعضائها موجودة أو مشاركة، لذا فإن الحديث عن أية ملفات عالقة ليس من شأن الناطقين باسمها ولا من شأن المسؤولين التنفيذيين، من قادة أجهزة وغيرها.
نعني بكل صراحة بذلك الحديث عن الملف الأمني، وعن السلاح في غزة، والذي هو بالمناسبة وحتى لا ينسى احد، يشمل سلاح كتائب الأقصى الفتحاوية، ولا يقتصر على سلاح القسام أو سرايا القدس، خاصة وأن المسؤولين التنفيذيين، بحديثهم عن هذا الملف في أكثر من مناسبة خلال الأيام الماضية، قاموا ببث شيء من الإحباط ورسم علامات التساؤل حول مآل المصالحة، حيث عليهم وعلى الجميع انتظار القاهرة، وبهذا الخصوص ومن أجل المصلحة الوطنية العليا، نقول بأن هناك حلولاً خلاقة لهذا الملف، وأن الأمر لا يقتصر فقط على حل وحيد، هو تسليم الحكومة وأجهزة الأمن المختلفة هذا الملف، بل يمكن أن يتم تشكيل هيئة عليا وطنية، تتسلم مهمة قراري الحرب والسلم. ومعظم دول العالم فيها مجلس أمن قومي، يتخذ القرارات المصيرية الخاصة بالبلاد، وحتى إسرائيل فيها «كابينت» فوق الحكومة.
الأنظار كلها تتجه الآن للقاهرة، لتتابع ما سيخرج عنه اجتماع الفصائل، وحيث أن هناك اتفاق 2011، بملفاته الخمسة، فإن تبايناً في الرأي يبدو قائماً قبل أن يعقد الاجتماع، فأوساط حركة حماس تقول بالتمسك بنصوص الاتفاق حرفيا، فيما أوساط فتح والسلطة تقول بضرورة الأخذ بعين الاعتبار ما استجد من تطورات خلال الست سنوات التي مضت.
بالنظر إلى اللحظة التي عقد فيها اتفاق القاهرة 2011، أي في عام ما سمي «بالربيع العربي» حيث كانت حماس تتمتع بسند إقليمي/عربي، لم يعد موجودا الآن، وكانت في موقف أقوى مما هي عليه الآن، لذا فإن فتح والسلطة تريد أن تعكس ميزان القوة الحالي على لقاء القاهرة بعد أسبوع، هذا مع العلم بأن حركة فتح والسلطة المركزية ليست أفضل حالاً من حماس، من حيث ظروف العامل الإقليمي والدولي، فالآن، الكل الوطني في ورطة، بعد جلوس دونالد ترامب في البيت الأبيض، وبعد بدء التحضيرات الإقليمية لجمع التحالف الإقليمي، العربي/الإسرائيلي بالرعاية والقيادة الأميركية ضد إيران .
من المؤكد بأن محاولة التراجع أو تعديل بعض نصوص اتفاق القاهرة قد تشمل الحكومة ذاتها، فاتفاق القاهرة نص على تشكيل حكومة وحدة وطنية، وليس حكومة توافق، كذلك حدد الشروع المتزامن بتحديد مواعيد انتخابات رئاسة وتشريعي السلطة ومجلس وطني (م ت ف) إضافة إلى ملفي الحريات العامة والمصالحة المجتمعية.
الأهم بتقديرنا هو أن اتفاق القاهرة نص بروحه ومضمونه على إقامة نظام الشراكة الوطنية، وهذا هو جوهر ومضمون أو كلمة السر في مكمن القوة الوطنية، أي الوحدة القائمة على الشراكة وليس على التفرد الأحادي أو الثنائي.
المهم برأينا، هو أن لا تكون سنوات الانقسام العجاف قد ألقت بكاهلها على الجميع، لدرجة الإحباط، والقبول بأي شيء أو أي حل للخروج من المأزق الوطني العام، بل لابد من أن تقول كل الفصائل كلمتها بأمانة، ولابد من أن ينشغل الرأي العام كله بهذا الأمر، ويجب أن لا يتم إخفاء المواقف عن المواطنين، والواجب المهني يحتم على كل صاحب رأي أن يخوض بصراحة تامة في مناقشة ومتابعة الشأن الداخلي، بأمانة، وعدم الركض وراء «الفوكس أو الشو» أو مواصلة التردد، بعدم إزعاج مسؤول أمني أو تنفيذي بكلمة حق، فأجواء غزة قد أثبتت في ذكرى رحيل أبو عمار أنها أجواء وطن حر، لفظ الاحتلال إلى غير رجعة، وأنها تبحث عن إدارة وطنية وليس عن حكم عسكري أو أمني أو ما شابه.