كانت المرة الأولى التي تتحدث فيها إدارة ترامب عن أحوال قطاع غزة، جاءت على لسان مبعوث الرئيس الأميركي الخاص، جيسون غرينبلات أوائل نيسان الماضي، تناول الحديث المذكور الجانب الاقتصادي للحراك الأميركي على الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي، كأداة لاستئناف العملية السياسية، في تكرار تتنكر له إدارة ترامب، لمشاريع الحلول الاقتصادية التي سبق وأن اقترحتها إدارة أوباما السابقة على لسان وزير خارجيتها جون كيري، إلاّ أن تركيز غرينبلات على أحوال وظروف قطاع غزة المعيشية وصعوبات الحياة، كما أشار هو الأمر الجديد، إذ أن الحلول الاقتصادية السابقة كانت تتركز أساساً على الضفة الغربية.
في ذلك الوقت، نيسان الماضي، تحدث غرينبلات لافتاً إلى أوضاع المرضى في قطاع غزة، وعرض هذا الأمر على منسق عمليات الحكومة الإسرائيلية يوآف مردخاي، مقترحاً عليه بلورة خطوات لتحسين الأوضاع في قطاع غزة، بالتعاون مع إسرائيل ودول عربية، كما جاء في خبر نشرته "هآرتس" في ذلك الوقت التي أشارت، أيضاً، الى أن غرينبلات كان قد التقى قبل ذلك وفي زيارة سابقة وزير المواصلات والاستخبارات، يسرائيل كاتس، وتم تناول عدة خطط لإقامة جزيرة اصطناعية قبالة سواحل غزة يقام عليها ميناء بحري ومنشآت بنى تحتية للكهرباء والمياه لخدمة سكان القطاع، وفيما بعد تبين أن نتنياهو وليبرمان و"الشاباك" يعارضون هذه الفكرة بينما ما زال كاتس مقتنعاً أن الدفع بهذه الخطط من شأنه استقرار الوضع الاقتصادي والإنساني في قطاع غزة، ويمنع "التدهور نحو حرب جديدة".
غرينبلات معني وفقاً لما تناولته وسائل الإعلام الإسرائيلية بحلول اقتصادية تشمل الضفة الغربية وقطاع غزة، ومن ضمنها إزالة المعيقات أمام مدينة "روابي" شمال رام الله، وإعادة النظر بتسليم المنطقة "ج" إلى السلطة الفلسطينية، إلاّ أن ذلك كله في إطار البحث عن حل سياسي بالدرجة الأولى، أي أن هذه الحلول ذات الطابع الاقتصادي، بينما تمنع قيام مواجهة عسكرية جديدة واسعة النطاق، فهي أيضاً تسهل إنعاش الجهود نحو تسوية سياسية، تعتبرها إدارة ترامب جوهر تحركها على الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي.
قبل أسبوع ذكرت "معاريف" أن حكومة نتنياهو صادقت على رزمة من الإجراءات التي ستتخذها لتحسين الظروف المعيشة في قطاع غزة، من ضمنها الموافقة على إقامة منطقة صناعية على الحدود الشرقية للقطاع، وبناء منشآت لتحلية مياه البحر، والسماح لمصانع الخياطة بتصدير منتجاتها من الملابس الجاهزة مباشرة للأسواق الإسرائيلية للمرة الأولى منذ 12 عاماً، وذلك استجابة لطلب جيراد كوشنير مستشار الرئيس الأميركي ترامب، باعتبار ذلك بوابة للوصول إلى تسوية سياسية شاملة في الفترة القادمة. التجار الفلسطينيون في قطاع غزة أكدوا عبر وسائل الإعلام أنه تم الاتفاق فعلاً على برنامج لتزويد السوق الإسرائيلية بالملابس الجاهزة من القطاع بالتوازي مع إعلان إسرائيل عن تحديد مساحة الصيد في القطاع من ستة كيلومترات إلى تسعة كيلومترات، ما يشير إلى صحة الأخبار التي نشرتها "معاريف" بهذا الخصوص.
كل ذلك يجري بالتوازي، مع إطلاق عملية المصالحة الفلسطينية التي جرت بمشاركة مصرية واضحة، وهنا تجدر الإشارة إلى تأكيد الرئيس عبد الفتاح السيسي في مقابلة مع قناة "فرانس 24" أن الهدف من المصالحة تهيئة المناخ ومنع تحول الوضع في قطاع غزة إلى موقف قابل للاشتعال، مشيراً إلى إنهاء الحصار من خلال فتح معبر رفح بعد تهيئة الظروف لذلك وأن تقوم السلطة الفلسطينية بإدارة شؤون الضفة والقطاع، ثم "تهيئة المناخ لفرصة تراها مواتية للسلام" وحل الدولتين المتجاورتين!
في عهد إدارة أوباما، ومشاريع كيري الاقتصادية، لم توضع حلول اقتصادية شاملة، بين الضفة والقطاع، كما لم يتم الحديث في ذلك الوقت عن أوضاع قطاع غزة، إلاّ من حيث تفويت الفرصة على حرب قادمة، في عهد ترامب، هناك حلول تشمل القطاع والضفة على المستويين، الاقتصادي والسياسي، من هنا، فإن عملية المصالحة، إضافة إلى كونها ضرورة وطنية فلسطينية، إلاّ أنها تلبي حاجة إدارة ترامب إلى تأهيل الوضع الفلسطيني، بكليته وشموله، لخوض عملية سياسية، تطلق عليها، صفقة القرن، أو صفقة العصر، مصالحة في اطار خريطة سياسية للمنطقة برمتها!!