من الطبيعي أن تنحدر الحالة الى هذا المستوى من الصدام بعد كل هذه المقدمات فالنتائج هي ابنتها اللقيطة عندما يكون الحكم هو نزوة وليس شراكة فان ما نراه هو التعبير الطبيعي عن الحقيقة التي حاولنا اغماض عيوننا عنها طويلا.... النتائج هي وليدة المقدمات وما قدمناه على امتداد السنوات الماضية لا يؤدى إلا ما نراه ولو كان غير ذلك لأصابتنا الدهشة.

تتوزع الحالة الفلسطينية بين تيارين أحدهم يوالي  والآخر يعارض وما بينهما من لغة مخجلة يتم تداولها بين الطرفين تصيب الفرد بالحزن والأسى هي ليست لغة غريبة عن واقع أنتج في السنوات الماضية ما يكفي من طحالب الكراهية نتاج مناخ كان يغرق في العداء المتنامي الى أن وصل الى هذا الحد وربما سيذهب أكثر، هل نسينا أننا أطلقنا النار على أنفسنا من أجل السلطة وحملات التشهير والانتقام فكل شيء بعد السلاح هو أمر طبيعي طالما سمحنا بتجاوز الخط الأحمر سنرى الكثير.

ارحل أو لا ترحل وفوضناه هي النتيجة الطبيعية لأزمة اختناق الحالة السياسية الفلسطينية وأزمة فقدان الثقة أكثر بالنفس وكما يقول علم النفس كلما يفقد الانسان ثقته بنفسه يصبح أكثر شراسة وأكثر بذاءة وهذا هو حالنا دون أي مجاملات أو محاولات تجميل لواقع غارق في الكراهية للآخر لكن هذه المرة الاخر هو نحن.

لا أحد يمتلك حق ترحيل أحد ولا أحد بالمقابل يمتلك حق تفويض أحد فذلك تعدي على الرأي العام لكن طرفي المعادلة لا يعنيهما الرأي العام ولو كان هناك انتخابات لا أحد يمكن أن يرفع شعارات لكن حركة حماس قامت بالانقلاب عام 2007 وكان الرئيس لازال منتخباً للتو كأنها حين تطالبه بالرحيل كأنها الأكثر التزاماً بالقانون وأغلب الظن أن آخر من يحق له الحديث عن التمسك بالقوانين هي حركة حماس.

وبالمقابل فان الرئيس منتخب كرئيس للسلطة منذ أربعة عشر عاماً وهذا لا يحدث في أي دولة أو أي مجتمع في العالم ويترك متسع للكثير أن يشكك في موقعه طبعاً آخرهم حركة حماس التي تضع نفسها في نفس المكانة كمجلس تشريعي أنتخب منذ ثلاثة عشر عاماً والحقيقة أنه لا يجوز للرئيس الاستمرار كرئيس للسلطة دون انتخابات مثله مثل باقي الهيئات .

ربما أن أمر منظمة التحرير الفلسطينية مختلف فالرئيس وفقاً لنظام المنظمة يتم انتخابه بالتوافق بين الفصائل ومن خلال اللجنة التنفيذية أي أن من وضع النظام الداخلي للمنظمة لم يتحدث عن الرأي العام ولا الشعب ولا غيره بل باتفاق بين الفصائل وبالتالي الى حد ما هذا موضوع لا يتعلق بالشعب ومكانة رئيس المنظمة غير خاضعة لانتخابات عامة بعكس رئاسة السلطة.

هنا المسألة ليست في القوانين التي نعرف أن أصغر فصيل وأصغر ضابط أمن يركلها بقدمه بل المسألة في حجم العداء المتنامي حد الشقاق ومستوى اللغة الهابطة التي يتم تداولها بين الأطراف وهو أن الأولوية باتت للصراع الداخلي والجميع أصبح وقوداً لهذا الصراع وذلك بسبب غياب المشروع الوطني تماماً وفي ظل الفراغ السياسي الذي تعيشه الحالة الفلسطينية من الطبيعي أن تنشغل في ذاتها وأن تحرق ذاتها كما النار حين لا تجد ما تأكله.

ان هذا الارتداد نحو الصراع الداخلي وهو ما لم تمر به القضية الفلسطينية منذ النكبة هو أخطر ما يمكن أن يهدد ليس النظام السياسي ولا الفصائل بل المجتمع الفلسطيني وهو كما كتب نتيجة طبيعية ومسار لا يمكن وقفه بعد كل تلك المقدمات والبيئة الموبوءة التي أنتجته وتتمثل الخطورة بمسألتين تراجع أولوية المشروع الوطني نحو مشروع داخلي وهو صراع على سلطة تحت الاحتلال والتمترس فيها للأبد والعامل الثاني أن ما يحدث يشكل تجربة أمامنا ستأخذها الأجيال القادمة كنموذج يحتذى به في العمل السياسي وقد تتجسد بكل مكوناتها عناصر الكراهية والانحطاط والبذاءة السياسية كثقافة قائمة وأن النضال الحقيقي هو الكفاح من أجل السلطة وعليها.

من الصعب الدفاع عن بقاء رئاسة السلطة كل هذا الوقت بلا انتخابات ، طبعاً المنظمة تختلف وان كانت بحاجة الى اصلاح آخر يتمثل بدخول الفصائل ومن الصعب أيضاً الدفاع عن المطالبين برحيله لأنهم سيطروا على غزة بانقلاب أودى بغزة الى هذا المستوى من التردي كل هؤلاء وهذا الصراع لا يعني المواطن لأن الأجيال الجديدة لم تنتخب أي منهم ففي كل عام عدد طلاب التوجيهي 90 ألف هذا يعني أن من دخلوا سن الانتخابات حين جاء هؤلاء حوالي مليون وربع المليون وهم أكثر من الذين انتخبوا عام 2006 وتلك هي معضلة القوى السياسية فالانتخابات هي الحل الوحيد أمام هذا الاختناق.

ماذا لو اتفقت رئاسة منظمة التحرير مع الجامعة العربية على اجراء الانتخابات تحت اشرافها ولينتخب الشعب من يريد إن انتخب فتح مرة أخرى ننتهي من هذا النهم على السلطة وان انتخب حركة حماس فلتتدبر أمرها وليتدبر الشعب أمره أما الحديث باسم الشعب الى هذا الحد وكأن الكل حريص رغم مصادرة الحد الأدنى لحقوقه فتلك أشبه بنكتة ساخرة ...!!!