لا تزال لغة التوتر والاقصاء والاتهامات هي اللغة الرائجة في علاقاتنا الوطنية والاجتماعية كان هناك سياسة منظمة أو تخطيطا مسبقا لتأجيج الصراعات ودفعها إلى نهايتها القصوى نحو الاقتتال والتشطي، والانقسام لتذهب كل مناخات وبيئة التفاهم والمشاركة والوحدة ودعوات الإنقاذ الوطني ومقترحات الجبهة الوطنية واستعادة الوحدة وإجراء الانتخابات ادراج الرياح ، لنذهب الي خيار وحيد هو التفكك والتدمير الذاتي .
ولعل نظرة سريعة إلى تطور الصراع السياسي الداخلي واحتدامه، رغم كل تجربة وخبرة الحركة الوطنية النضالية ومرارة تجربة الانقسام والاقتتال والتفرد والاقصاء ، ورغم ادراك معظم القيادات السياسية لخطورة المرحلة ومشاريع التصفية والانتقاص من الحقوق الوطنية، التي تتطلب وقف حالة التفرد في إدارة الشأن الوطني وتطبيق قرارات الإجماع الوطني و استعادة الوحدة وانهاء الانقسام وبما يضمن الاتفاق علي برنامج واستراتيجية وطنية وقيادة جماعية ، وبالحد الأدنى منع اعادة تجارب الاقتتال الداخلي وتعزيز صمود المواطنين وضمان الاتفاق علي خطة وطنية وقيادة موحدة لمواصلة المقاومة بكل الوسائل لمخططات وجرائم الاحتلال الإسرائيلي.
إلا أنه مع كل فشل لجولات الحوار والمصالحة تعود الساحة الفلسطينية إلى مزيد من التفرد والاقصاء والاحتقان والتأزم خطاب الكره والمؤامرة والتعبئة الاقصائية والتي تغلب حماية المصالح الحزبية والفردية والدفاع عنها بكل الوسائل .في إغفال واضح لخطورة سياسات وجرائم الاحتلال الإسرائيلي وما يقدمه الشعب الفلسطيني من تضحيات جسيمة وما يعانيه من تحديات إنسانية تتطلب تعزيز صموده وحفظ كرامته .
نكبة قادمة تلوح في الأفق جراء سياسيات وجرائم وإرهاب وعنصرية دولة الاحتلال الإسرائيلي وتبني حكومة المستوطنين لخطة الإرهابي سموترش لحسم الصراع الهادفة لضم الضفة الغربية وتهويد مدينة القدس والمقدسات بما في ذلك هدم أو السيطرة علي المسجد الأقصى، والاستمرار توسيع الاستيطان الاستعماري والحصار والعدوان والتنكيل بالأسري والقتل الميداني والتهجير القسري والتمييز العنصري ...
ورغم الإرادة والامل والفضاء التي تشقه المقاومة المتدرجة في غزة وجنين ونابلس بأنماطها وأدواتها المتصاعدة للتصدي الفعلي لسياسات وجرائم الاحتلال الإسرائيلي ومليشيات المستوطنين.
إلا ان النوايا الوطنية لا تزال عاجزة عن مقابلة متطلبات النهوض الوطني عبر الاتفاق علي خطة وطنية تضمن توفير متطلبات التصدي الشامل، بدلا من البقاء على ذات الرهانات التي باتت متكررة ولا تلبي الحد الأدنى المطلوب للمواجهة، فالأداء الرسمي للقيادة المتنفذة لا يزال علي ذات الرهانات علي الوعود الأمريكية و مسار التسوية بل التكيف مع الوقائع والالتزام بمسار يكرس دور السلطة الأمني وجعلها في مواجهة الشعب والمقاومة عدا عن العجز في حماية الشعب الفلسطيني لتصبح سلطة معيقة للتحرر الوطني وقامعة للحريات، فيما الحالة في قطاع غزة وعلى الرغم من ارتفاع قدرات المقاومة فيها وتطور المجموعات المسلحة في الضفة الا انها عاجزة عن وقف الضم والتهويد والاستيطان والاغتيال وجرائم المستوطنين ما يشير الي محدودية القدرات فيما تبقي معادلة تغيير قواعد الاشتباك ووحدة الساحات محل اختبار؟ كما أن الانقسام وأداء الجهات الحكومية المتفرد لا زال عاجز عن توفير متطلبات الصمود الإنساني لسكان القطاع المحاصر، فيما الحالة الفصائلية تتجه لمزيد من الانقسام والتشظي نتائج تباينات في جملة المواقف والأداء المقاوم والسلطوي ومستوي الاقتراب والتقاطعات مع السلطة.
وحتي الخطر المحدق بالشعب والقضية لم يشكل عامل لإيقاد القيادات السياسية للقيام بدورها القيادي المأمول، فالنوايا والأداء يتجه نحو الصراع الداخلي وليس التوافق، والاتجاه نحو التطرف في الخصومة بدلا من الاعتدال والتشظي بدلا الوحدة، وخير شاهد فشل لقاء العلمين في القاهرة، وما تبعة من ردود الفعل التي تتسم بالعجز عن بناء مقاربات جديدة بما فيها بلورة جبهة المقاومة أو حتى الاتفاق على برنامج عمل للمقاومة الشاملة وقيادة موحدة للمقاومة، وحتي اجتماع لكافة القوي السياسية والشخصيات الوطنية المتقاربة لبلورة رد يوازي التحديات، لم يتم الدعوة له وحتي على مستوي التفاكر والحوار والخروج على الأقل برؤية الحد الأدنى للمواجهة الجماعية.. في استمرار للرهان علي الأداء الفردي والحزبي علي أهميته واحيانا مستوي من التنسيق غير المكتمل في أحيان أخري.
ولبيقي الشعب الفلسطيني رهنية واقع يوفر البيئة لإضعاف عوامل القوة الفلسطينية، بل واقع يعزز الذهاب نحو مزيد من الانقسام والتفرد والاقصاء والقمع والصراع الداخلي والترقيع والانتظار وتغليب للمصالح الفئوية، والانتظار، اوالشجب الإدانة وتنظيم بعض التحركات والجهود الوطنية والشعبية التي على أهميتها لم توفر القدرة والقوة للتغيير، لجهة بلورة كتلة شعبية ضاغطة وتيار وطني عابر للايدلوجيا والجغرافيا وتثبيت معادلة وحدة الشعب والدم والمصير المشترك، لتجاوز حالة الاستعصاء وغياب الحلول والبدائل، في مواجهة التحديات الوطنية ومخاطر النكبة القادمة.
ولعل واقع السلطة بعد قرابة ٣٠ عاما يتطلب مراجعة جادة، لغرض وقف تحولها الي معيق للتحرر الوطني وبما يضمن الالتزام بقرارات الإجماع الوطني والشعبي بسحب الاعتراف بدولة الاحتلال والتحلل من قيود والتزامات أوسلو بما فيها برتوكول باريس الاقتصادي، ومنع تحولها لوكيل أمني للاحتلال عبر وقف التنسيق الأمني وتحصين المقاومة ومنع اعتقال المقاومين وبما يضمن تحويل وظيفتها إلى سلطة خادمة للناس والمشروع الوطني مع نقل الوظيفة السياسية لها لمنظمة التحرير الفلسطينية التي تحتاج إلى تطوير وإعادة بناء على أسس الشراكة والديمقراطية وعبر انتخاب مجلس وطني يمثل الشعب الفلسطيني.
ولحين ذلك مطلوب من الجهات الحكومية في فلسطين تحييد الحقوق والحريات العامة والخدمات عن المناكفات السياسية، بما يتطلب وقف السياسات التمييزية علي اساس جغرافي ورفع عقوبات السلطة في رام الله الجماعية المفروضة على موظفي ومواطني قطاع غزة، وتقديم الدعم المطلوب من حصة غزة من الميزانية بما يساهم في تعزيز صمود المواطنين وقف تعميق أزمات القطاع لتحقيق أهداف سياسية.
فيما المطلوب من الجهات الحكومية في قطاع غزة ضمان احترام الحريات وتحسين الخدمات المقدمة ومراجعة السياسات المتعلقة بالكهرباء والضرائب وأداء البلديات التي تحتاج إلى إجراء الانتخابات المحلية وتبني سياسات اقتصادية واجتماعية تراعي ظروف المجتمع وتدعم صمود المواطنين، في ظل تداعيات الحصار المفروض على قطاع غزة للعام ١٧ على التوالي وفي ظل استمرار حالة الانقسام وتداعياته على النظام السياسي وحالة حقوق الإنسان، وبدلا من سياسات التفرد مطلوب تعزيز الشركات و فتح حوار مجتمعي مع كافة القطاعات الحكومية والأهلية والقطاع الخاص لوضع البدائل والحلول لمواجهة الأزمات الإنسانية.
ختاما في ظل التهديدات بنكبة جديدة وأمام جرائم الضم والتوسع الاستيطاني الاستعماري والتهويد للقدس والمقدسات والحصار والعدوان والقتل الميداني الاعتقالات والتنكيل بالأسرى والتمييز العنصري، يجب أن نستحي من دماء الشهداء وأن نخجل من انتهاكاتنا الداخلية وفرقتنا وانقسامنا ومن الأخطاء والخطايا المرتكبة بحق الناس وحقوقهم، بأن نوقف مسلسل الارتهان للفئوية والتعصب المقيت بما يوقف القمع والانقياد لنار الفتن أو الفرقة والنهش والعبث والاقتتال، الذي يعيق التركيز علي التناقض التناحري مع الاحتلال وحفاظا علي صورة شعبنا ونضاله و ما تبقى لنا ولقضيتنا من كرامة ومكانة واحترام، ولعل التركيز علي مقاربات المقاومة المتدرجة التي تنتهي لانتفاضة شاملة هي الرد علي جرائم الاحتلال الإسرائيلي وارهاب المستوطنين، في المقابل التركيز علي ترتيب البيت الداخلي واعطاء أولوية للتفكير في مقاربة الجمع بين المقاومة والحكم التي بات عبئا علي المقاومة التي يجمع عليها الكل فيما الطبيعي الاختلاف حول السلطة وأدائها، والخشية أن تصبح المقاومة جزء من حالة التفريق حال تدخلت لحماية الحكم، لذا بات ابتداع طريقة مدنية لمجاورة السلطة- غير الحزبية - للمقاومة في حكم الضرورة، لأن أقصي ما يمكن أن تقدمة الجهات الحكومية في غزة ان بقي الحال علي ما هو عليه التخفيف من الحصار والظروف الكارثية التي يعيشها معظم الناس، فيما الناس وحتي موظفي الحكومة في غزة يريدون حلول لضمان حياة كريمة بعد صمود وصبر أكثر من ١٧ عشر عام.
فمعظم الفلسطينيين باتوا يرفضون الإقصاء و التفرد في إدارة الشأن العام وخاصة التفرد في إدارة المنظمة والسلطة من قبل الرئيس واستمرار تفرد حركة حماس في إدارة الحكم في غزة الأمر الذي يجعل استعادة الديمقراطية اولوية وطنية وانسانية ترتبط في مدي القدرة على تعزيز الصمود، استمرار النضال لإعادة بناء كل المؤسسات السياسية علي أسس المشاركة والانتخاب والديمقراطية.
بما يعزز عوامل القوة الفلسطينية وفرص تطوير بنية وأداء وواقع المقاومة المسلحة والشعبية وفعاليات التضامن والتحركات الوطنية على كل المستويات العربية والدولية وتفعيل دور الفلسطينيين في كافة التجمعات.وختاما يبقي الرهان على الشعب الذي عودنا أن يكون سابق للقيادة ومتمسك بالحقوق ورغم كل التحديات مستمر في تقديم التضحيات، ولكنة بات يحتاج أكثر من أي وقت مضي لقيادة وطنية ترتقي لمستوي التضحيات والتهديدات، الامر الذي يتطلب من الكل التخلي عن أي حسابات فصائلية والتوجه نحو الاتفاق على خطة وقيادة إنقاذ وطني وإنساني للفلسطينيين وبلورة كتلة شعبية ضاغطة لترتيب البيت الداخلي ولحماية السلم الأهلي وتعزيز صمود المواطنين.