أطلقت قوات الاحتلال الصهيوني على جريمتها النكراء بحق ثلاثة عشر فلسطينياً منهم خمسة أطفال وأربع سيدات اسم السهم الواقي، سهماً اعتقد نتانياهو بأنه سيحقق من خلاله ثلاثة أهداف هي:
1. إرضاء وزير الأمن القومي إيتمار بن غافير ودفعه للتراجع عن قرار عدم التصويت في الكنيست لصالح الائتلاف الذي يقوده نتنياهو.
2. الخروج من حالة الضغط من اليمين المتطرف بقبول تغيير مسار مسيرة الأعلام لتدخل الحي الإسلامي، وهو ما قد يفجر الأوضاع في الأراضي الفلسطينية وتكون إسرائيل على موعد مع سيف القدس 2، والتي أحد أهم احتمالاتها هو تحرك جبهات عديدة في مواجهة إسرائيل، كون القدس قضية يجمع عليها الجميع داخلياً وخارجياً، ولكي يخرج من المعضلة كان لابد أن يذهب إلى اغتيال قادة في غزة.
3. استعادة حالة الردع حتى لو اعلامياً أمام جمهوره، وكبح جماح المقاومة الفلسطينية وعلى وجه الخصوص حركة الجهاد الإسلامي.
ربما يكون نتنياهو حقق أهدافه، بن غافير تراجع عن قراره، واليمين يشعر بنشوة وهو يتأمل أشلاء ودماء الأطفال والنساء في غزة، والإعلام الموالي في إسرائيل بات يتحدث عن حالة الردع والضربة القوية، حتى وصل الحال بتهديد مباشر من وزير الطاقة الإسرائيلي بحق القائد العام لكتائب الشهيد عز الدين القسام محمد الضيف ورئيس حركة حماس في قطاع غزة يحيى السنوار في حال دخلت حركة حماس على خط المواجهة.
لكن ما لم يضعه نتانياهو في حسبانه هو رد فعل المقاومة، وهل تقدير موقف الاستخبارات الصهيونية كان في مكانه...؟
أعتقد أن الاستخبارات الإسرائيلية قدرت أن رد فعل المقاومة سيكون عبر قيام الفصائل المسلحة بإطلاق قذائفها إلى منطقة الغلاف وما بعد الغلاف، وخلال عملية الاطلاق تقوم طائرات الاستطلاع توجيه ضرباتها لهؤلاء الشبان، ووصولاً إلى العودة إلى التهدئة من جديد.
الغريب هذه المرة أن المقاومة حققت هدفين حتى اللحظة في مرمى نتانياهو وهي:
1. أفشلت تقديراته الأمنية والعسكرية، وخططه في تقسيم فصائل المقاومة، حيث ولأول مرة في تقديري تلتزم الفصائل جميعها بقرار غرفة العمليات المشتركة حيث مضت 24 ساعة ولم تطلق رصاصة واحدة.
2. استخدمت تكتيكات جديدة تحاكي تكتيكات الإيرانيين وحزب الله في إدارة الأحداث الكبرى، بحيث حالة الصمت أصبحت أكثر تأثيراً من إطلاق عشرات القذائف والصواريخ، فمن ناحية منحت حالة الصمت المجتمع الدولي فرصة للاطلاع على جرائم الاحتلال وقتل للنساء والأطفال، ومن ناحية ثانية استنزفت نفسياً وعسكرياً وأمنياً القيادة الصهيونية والمجتمع الإسرائيلي، وفي نفس الوقت ولأول مرة لم تعلن المقاومة على عمليات الرد على العدوان الصهيوني لمواجهة تسمية عمليات الجيش الصهيوني السهم الواقي، وكأن المقاومة في عدم اختيار التسمية تقول: لا يمكن أن نحدد تسمية العلمية قبل تحديد الهدف، فالمقاومة تريد أن تمارس الردع الاستراتيجي لنتنياهو وحكومته.
الخلاصة: المقاومة في إطار رد الفعل المنضبط الذي يحقق الهدف، وحالة الغموض الإيجابي التي تتبناها المقاومة في تقديري هي بمثابة رد قوي لا يقل أهمية عن الرد الصاروخي، وعندما تأتي اللحظة سيدرك نتانياهو أنه أساء وأخطأ التقدير، وأن كسر إرادة الشعب الفلسطيني أمراً يكاد يكون مستحيلاً، وأن الحسم السياسي عبر الإقرار بحقوق الشعب الفلسطيني لحقوقه هو الخيار الأقل تكلفة للجميع.