تابعت على مدار الأيام القليلة الماضية تطورات المصالحة الفلسطينية منذ اللحظة التي أعلن فيها من القاهرة عن التوصل لاتفاق وبعد إعلان الحكومة الفلسطينية موعد زيارتها لغزة الاثنين الماضي، وصولاً لمسلسل واحتفالات الزيارة الذي انتهى يوم الخميس بمغادرة رئيس الوزراء ووزرائه أرض قطاع غزة باتجاه الضفة الغربية، لكن في الحقيقة توارد لذهني سؤال مهماً وسط هذا الزخم والاهتمام الكبيرين من عدة جهات في المنطقة وسط تسجيل حضور رسمي لمتابعة ما يجري في قطاع غزة.
للمرة الأولى منذ عام 2014 اجتمعت الحكومة الفلسطينية في غزة كخطوة أولى على طريق المصالحة المأمولة بين حركتي فتح وحماس، ومن أبرز العبارات التي سمعتها من رئيس وزراء حكومة التوافق في مستهل افتتاح اجتماع الحكومة في غزة عبارة "نطوي صفحة الانقسام إلى غير رجعة " كخطوة أولى لتسلم الحكومة مهامها في قطاع غزة، وإذا ما سألنا عن فرص نجاح هذه المصالحة هذه المرة، فإنني أستطيع القول بأن هناك فرصة لنجاح المصالحة هذه المرة ليس رأفة بالمواطن الفلسطيني الذي يعيش حصاراً إسرائيلياً خانقاً منذ أكثر من 10 سنوات كما يعتقد ويروج البعض.
من الواضح أن ما يجري مرتبط بحاجة الولايات المتحدة لإنجاز المصالحة الفلسطينية بعد أن رفعت الفيتو هذه المرة، وكل المؤشرات تؤكد أن أمريكا تجهز لمشروع عملية سلام في المنطقة تكون دولة فلسطينية في غزة تحت سيطرة ورعاية السلطة الفلسطينية، كما وسنشهد دوراً تمثيلياً لحظة أن يقوم الرئيس محمود عباس بلعب دور البطل، وسيرمي مفاتيح الضفة الغربية قريباً في وجه إسرائيل ضمن الترتيب المتفق عليه على أساس ظاهري للعالم وللشعب أنه تخلى عن اتفاقية أوسلو ولعب دور البطل تماماً تساوقاً وتمريراً لهذا المشروع الجديد.
إسرائيل التي سهلت دخول هذا الكم الكبير لحكومة رامي الحمد الله رئيس الوزراء الفلسطيني تبدو سعيدة لما يخطط له، وواضح أن الأمر يهمها أن تسير الأمور بشكل صحيح، وأن تسير المصالحة إلى الأمام، كما هي مصر سعيدة وتتصدر وتتحرك بقوة لإنجاز المصالحة.
تقديري أن هذه المصالحة ستعيد سيطرة السلطة على قطاع غزة بشكل أو بآخر، وطالما أنها تعيد سيطرة السلطة على غزة فإنها ستعيد تحريك العملية السياسية وفق ما هو مخطط له، وهو ما يوصلنا لنتيجة بأن هناك مصلحة وأهداف من وراء هذه تطبيق المصالحة هذه المرة كي تتقدم الأمور للأمام حسب ما هو مخطط له.
وبالرغم مما ذكرت من أن هناك فرصةً كبيرةً لتحقيق المصالحة، ففي المقابل هناك الكثير من الألغام تعترض طريق تطبيق المصالحة، كما الاختلافات فيما يتعلق بالمرجعيات لحظة التطبيق الفعلي على أرض الواقع بين حركتي حماس وفتح.
من الممكن تأخير قضية المرجعيات كخطوة على طريق إسناد وإنجاح المصالحة، لكن أهم تحدي ينتظر المصالحة هو موضوع السلاح الذي تمتلكه حركة حماس من جهة، ومن سيسيطر أمنياً على قطاع غزة من جهة أخرى، فمن الممكن أن تقبل حماس بسيطرة السلطة بشكل أو بآخر، لكن ما هو معروف ولا ولن تقبله حماس بالمطلق هو تسليم سلاحها، كما أنها لن تتخلى عن الملف الأمني باعتباره خطاً أحمراً بالنسبة إليها.
أخيراً.. إذا فرض على حركة حماس في بداية الأمر تسليم سلاحها، فإن هذا الموضوع باعتقادي سيسرّع من فشل عملية المصالحة ويعيد الأمور لنقطة الصفر الأمر الذي لن تسمح مصر بفشل جهودها ودورها هذه المرة، ما يأخذنا تجاه خيار آخر هو إمكانية ممارسة ضغوطاً مصرية وربما دولية على السلطة الفلسطينية لتأجيل بحث مثل هذا الموضوع لاحقاً على أن تسير المصالحة وفق ما هو مخطط لها إلى حين إيجاد حل قد يكون مقبول عند جميع الأطراف.