فُجعتْ الصحافة الفلسطينية والعربية والدولية يوم الحادي عشر من أيار (مايو) 2022 باغتيال الصحفية الفلسطينية المميزة شيرين أبو عاقلة مراسلة قناة الجزيرة الفضائية، بدم بارد أثناء تغطيتها لاقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي لمخيم جنين.
يوم الحادي عشر من أيار (مايو) لم يكن يوماً عادياً ولا حدثا اعتيادياً، بل كان يوماً وطنياً بامتياز وحدثاً عابراً للقارات وشاغلاً للرأي العام الدولي، وكان العنوان والخبر الأول على غالبية وسائل الإعلام، وكان يوماً فاضحاً للاحتلال ونزعته العنصرية المتعطشة للدماء.
قرار الاغتيال للزميلة شيرين أتخذ من حكومة الاحتلال برئاسة نفتالي بينيت، وجاء يوم الحادي عشر من أيار لتنفيذ هذا القرار وخاصة بعد رصدها اقتحام جنين صباح الأربعاء الحزين. جريمة الاغتيال واضحة للعيان، سيكون لها ما بعدها في نقل هذه الجريمة للمحكمة الجنائية الدولية ومثول مجرمي الحرب الإسرائيليين أمام المحكمة ليلقوا عقابهم، مع الإشارة إلى أن شكوى رسمية ضمت عدداً من الشهداء والجرحى الصحفيين وتدمير مقار إعلامية وضعت على طاولة المحكمة الدولية بعد سنوات من المحاولات الحثيثة تقدمت بها نقابة الصحفيين الفلسطينيين والاتحاد الدولي للصحفيين والمركز الدولي للعدالة الفلسطينية للمباشرة بالنظر في هذه الشكوى وبالتحقيق في ارتكاب «إسرائيل» جرائم حرب.
إن اغتيال الصحفية شيرين جرى مع سبق الإصرار والترصد على يد قناص إسرائيلي باطلاقه وابلاً من رصاصات حقده، من بندقيته على رأس شيرين بُغيّة قتلها واسكاتها، رغم أنها كانت ترتدي سُترتها الصُحفيّة التي يتوسطها كلمة صحافة بالإنجليزية «PRESS» وتضع خوذة على رأسها، ولم يسمح الاحتلال باسعافها واستمر في إطلاق النار صوب كل من يتحرك في واقعة ووقت اغتيالها.
شيرين لم تكن تحمل بندقيةً ولا رشاشاً ولا سكيناً ولا حجراً، بل كانت تحمل سلاحاً حاداً كاشفاً للحقيقة وفاضحاً لجرائم الاحتلال الإسرائيلي الذي يتباهى بديمقراطيته، كانت شيرين تتابع واجبها المهني والنبيل بتغطية أحداث جنين بالصوت والصورة والكلمة على الهواء مباشرة، إلى جانب زملائها الصحفيين ومنهم الزميل الصحفي علي السامودي الذي أصيب أيضاً برصاصة في ظهره.
منذ الإعلان عن استشهاد الصحفية شيرين، وجيش الاحتلال الإسرائيلي يحاول إخفاء جريمته وإلصاقها بالضحية، للتهرب من مسؤوليته عن إعدام الصحفية شيرين أبو عاقلة، والذي شكل خبر اغتيالها صدمةً كبيرةً للأسرة الصحفية في كل مكان، ولشعبنا الفلسطيني وشعوبنا العربية والدولية ورأياً عاماً دولياً بضرورة محاسبة إسرائيل المتمردة على القانون الدولي على جريمتها البشعة والنكراء، والمُتفلتة من العقاب والمسائلة، وتوفير الحماية الدولية للصحفيين الفلسطينيين من التحريض والقتل الإسرائيلي، استناداً لقرار مجلس الأمن رقم (2222).
إنها كانت الشاهدة على اجتياح مخيم جنين قبل عشرين عاماً، ويعرفها كل بيت فلسطيني وخاصة من عايش الانتفاضة الثانية «انتفاضة الأقصى» والاجتياح الإسرائيلي للضفة في ما تسمى عملية «السور الواقي». فهي الانسان الفلسطيني قبل أن تكون صُحفية، وهي الشاهدة والكاشفة للحقيقة، والفاضحة للاحتلال في جنين ونابلس ورام الله والخليل وغزة، وكل مدن وقرى ومخيمات وأزقة الضفة، وفي القدس في مخيم شعفاط ومخيم قلنديا وعلى حواجز الإذلال الإسرائيلية، وفي الشيخ جراح وسلوان وباب العامود وبيت حنينا والعيساوية وأبو ديس، وفي المسجد الأقصى وكنيسة القيامة، وفي النقب وعسقلان واللد، ترى شيرين.
قُتلت شيرين نتيجة التحريض الإسرائيلي الممنهج على استهداف الصحفيين الفلسطينيين لانحيازهم لقضيتهم وشعبهم ومهنتهم، والتي يُراد منها إرهاب الصحفيين والإعلاميين وإسكاتهم ومنعهم من مواصلة التغطية والكشف عن الحقيقة وفضح الجرائم الإسرائيلية وإرهاب الدولة المنظم. باغتيال الصحفية الأيقونة شيرين أبو عاقلة الشاهدة على جرائم الاحتلال ومستوطنيه برصاصة غدر إسرائيلية، أصبحت شهيدة فلسطين الوطن والهوية.
أمام هذه الجريمة النكراء التي يُندى لها الجبين، أضم صوتي لجانب الزملاء الصحفيين في قناة الجزيرة الفضائية، أحمد منصور وخديجة بن قنة وآخرين، بدعوة قناة الجزيرة القطرية للتوقف عن استضافة مسؤولين إسرائيليين أو من يمثلهم على تلك الشاشة، لأن من المعيب استضافة من اتخذ قرار قتل شيرين أبو عاقلة أو من أطلق رصاصات غدر حاقدة عليها أو من يستسهل اطلاق النار ويتفنن برصاصاته على كل إنسان أيًا كانت هويته أو انتمائه أو مهنته. لا يمكن فهم ذلك الفعل سوى أنه قتل متعمد.
أحزننا وأفجعنا نبأ اغتيال الزميلة الصحفية الأيقونة شيرين أبو عاقلة، ويُحزننا أيضاً ونحن نشاهد المجرمين الإسرائيليين على فضائية الجزيرة وغيرها من القنوات العربية وهم يتبجحون في ارتكاب جرائمهم وتفنيدها وإلصاقها بالضحايا، وبث أكاذيبهم ورواياتهم المفضوحة.
ربما شاهدنا ورأينا ووصلنا سيل من الادانات والاستنكارات المحلية والعربية والدولية الرسمية وغير الرسمية، ومن منظمات دولية لجريمة الاغتيال الجبانة، ونُظمت الفعاليات الميدانية سواء في فلسطين الضحية، أو في عديد العواصم العربية والإقليمية، ولكنها غير كافية رغم أهميتها إن لم يُباشر بالتحقيق الفوري في هذه الجريمة، بحيث لا يشترك الجاني في أية لجان تحقيق، ويُوضع الجُناة أياً كان عددهم سواء كانوا سياسيين او جنوداً تحت طائلة المحاسبة والمساءلة الدولية ليلقوا عقابهم.
رحلت شيرين ولم تُعد بيننا نسمع كلماتها وتغطياتها الصحفية التي اعتدنا على سماعها ومشاهدتها كل يوم، وهي توثق وترصد وتفضح الجرائم الإسرائيلية، رحلت ولكن رسالتها الإعلامية ما زالت تصدح في عقولنا، وسنكمل المشوار في حمل رسالتها ونقل جريمة اغتيالها إلى المحافل الدولية إلى أن يلقى الجاني المجرم عقابه.