طائرة "حسان" التي أطلقتها المقاومة الإسلامية في لبنان تشير إلى بداية مرحلة استراتيجية جديدة في التعامل مع العدو، عنوانها "الحرب بين الغيوم" والرد بالمثل.
يقول المثل: "لا يأتي بالرطل إلا الرطلان"، وهو مثل موازٍ للمفهوم العسكري: "ما لا يأتي بالقوة، يأتي بمزيد من القوة". هذا المثل والمفهوم بات مطبقاً لدى المقاومة في لبنان وقطاع غزة، فكلّ الوسائل التي اتبعها العدو الصهيوني لمنع تطور قدرات المقاومة، وظنَّ أنّه سيُعجزها بها، ردت عليها المقاومة بإصرار فريد على ابتكار أدوات إبداعية تفرض معادلات جديدة، وآخرها الطائرة "حسان"، التي تشير إلى أننا أمام مرحلة جديدة في العلاقة مع العدو.
من يراقب المشهد خلال السنوات الأخيرة يدرك جيداً أنَّ المتغيرات السلبية في البيئة الاستراتيجيَّة لكيان العدو تتوالى بشكل متسارع، وأن الثغرات التي تصنعها المقاومة في هذه البيئة في ازدياد. وقد باتت المنظَّمات التي تسمّيها "إسرائيل" "منظمات لادولانية" تفرض المعادلات عليها، وتكسر خططها العسكرية الفريدة، فكما كسرت المقاومتان اللبنانية والفلسطينية خطة جدعون، وخصوصاً "المعركة بين الحروب"، أفشلتا معاً خطة "تنوفا" خلال معركة "سيف القدس".
أن تفعّل المقاومة الإسلامية في لبنان نظام الدفاع الجويّ، وأن تصل إلى تقنية جديدة للطائرات المسيّرة تتجاوز الأدوات الدفاعية لدى "إسرائيل"، فذلك يعني أنّنا نشهد دخول مرحلة جديدة تكسر بشكل واضح تفوقها العسكري والتكنولوجي الذي لطالما تغنّت به طيلة السنوات الماضية، وخصوصاً سلاح الطيران، وتدفع الاحتلال إلى التفكير في تغيير قواعد الاشتباك في الجو، خشية أن تؤدّي إلى المواجهة العسكرية، كما يحدث في الأرض اللبنانية طيلة السنوات الماضية.
طائرة "حسان" التي أطلقتها المقاومة الإسلامية في لبنان تشير إلى بداية مرحلة استراتيجية جديدة في التعامل مع العدو، عنوانها "الحرب بين الغيوم" والرد بالمثل، وصولاً إلى مرحلة منع تحليق الطيران فوق الأراضي اللبنانية، خشية استهدافها، وخشية تحليق طائرات المقاومة فوق الأراضي المحتلة.
في الوضع الطبيعي، أن تحلّق طائرات الاحتلال في سماء لبنان هو أمر غير مستغرب لدى المقاومة مقارنة بالواقع في السنوات الماضية، إلا أنَّ تحليق طائرات تابعة للمقاومة فوق فلسطين المحتلة هو أمر غير طبيعيّ، ويمثّل خطراً كبيراً على "إسرائيل"، يجعلها في حالة استنفار وقلق دائمين لا يمكن تحمّلهما، وهو ما تصنعه المقاومة حالياً لمواجهة طيران العدو فوق لبنان.
ما حدث مؤخّراً يستهدف الثغرة الأكبر في نقاط ضعف "إسرائيل"، وهي مشكلة العمق الجغرافي الاستراتيجي، والتي حاولت إيجاد حل لها طيلة العقود الماضية، وفشلت في ذلك باستخدام التفوق في سلاح الطيران. لهذا، يرى العدو أن طائرة مسيّرة تنقل المعركة إلى داخل فلسطين المحتلة تمثّل معضلة حقيقية، لأنها تضاعف المخاطر الأمنية، وتعطي المقاومة قدرة التأثير في الحياة والاقتصاد، ما يشكّل معضلة أمنية واقتصادية مركبة.
المرحلة الجديدة بدأت تتّضح ملامحها، والمؤشرات الدالة عليها ليست بعيدة، وقد تتعزّز خلال الفترة المقبلة، وصولاً إلى اكتمالها بعد تصريحات سماحة السيد حسن نصر الله، الذي أعلن تفعيل الدفاع الجوي وتصنيع الطائرات المسيرة وإطلاقها وتجريبها إيذاناً بالمرحلة الجديدة.
السؤال الذي تبادر إلى ذهن العدو حول الطائرات المسيرة ومغزى حزب الله من إطلاقها خلال الفترة الحالية، أجاب عنه السيد نصر الله بأنَّه نتاج تعامل المقاومة مع خطط العدو، وخصوصاً "المعركة بين الحروب"، إلا أنَّ ثمة إجابات أخرى إلى جانب هذا الأمر، تتعلَّق برغبة حزب الله في تجريب الطائرة الجديدة، وتعزيز مكانة لبنان التفاوضية في قضية ترسيم الحدود البحرية، وصنع معادلة جديدة تتعلَّق بسماء لبنان، واستغلال المتغيرات بعد معركة "سيف القدس"، وعلاقة الطائرة بتصاعد الأحداث في حي الشيخ جراح، وتأكيد السيد نصر الله أن الحزب ما زال جزءاً من معادلة القدس والشيخ جراح.
من يراقب المشهد حالياً يدرك أننا أمام مرحلة صعود للمقاومة ونزول في القيمة الاستراتيجية للعدو، وخصوصاً بعد معركة "سيف القدس" منتصف العام الماضي، والتي كشفت خلالها المقاومة الفلسطينية ضعف "الجيش" الإسرائيلي وعجزه.
من ناحية ثانية، يمكن القول إننا أمام مرحلة تتوازى فيها قدرات الطائرات المسيرة مع القدرات الصاروخية التي تقدر بمئات الآلاف لدى المقاومة الإسلامية في لبنان، وهو ما سيفرض على العدو معادلات جديدة، وخصوصاً أن إنتاج الطائرات المسيرة بات يعدّ مشروعاً مستقلاً بذاته، ويمكن أن يدخل في تعداد الآلاف خلال وقت وجيز، ما يعوض القوة النوعية التي يمتلكها العدو عبر سلاح جوّه المتطوّر والمتنوّع.