رافق انعقاد الدورة الحادية والثلاثين للمجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية في (6-8) شباط ضجة سياسية دخل على خطها أكثر من طرف فلسطيني للعبث بكيانية ووحدانية المؤسسة الوطنية الائتلافية والهوية الوطنية الفلسطينية.
العجيب أن واحدة من القوى المقاطعة لدورة المجلس المركزي لمنظمة التحرير، معروفة للعيان أن وجودها خارج المنظمة أكثر من وجودها بداخلها، فيما فصيل آخر لو سنحت له الفرصة أن يدخل منظمة التحرير ومؤسساتها وهيئاتها بكل عيوبها التي ينتقضها ليلاً نهاراً على قاعدة المحاصصة الثنائية في عدد المقاعد لا يمانع ذلك، مع الإشارة أن قرار المشاركة أو المقاطعة لدورة المجلس المركزي الحالي تخص كل فصيل فلسطيني بنفسه ولا يحق لأي أحد التدخل في شؤون الآخر كونه ليس وصياً عليه ولا على قراره.
ومن الواضح أيضاً من حجم الأخبار المفبركة والتصريحات المزورة واستخدام لغة السباب والشتائم، التي ليس هدفها إلا إحداث بلبلة في الحالة الفلسطينية والذهاب نحو تعميق الانقسام وصولاً لشخصنة الأمور في بعض الأحيان، ما يدل على الحالة التي هبط إليها الخطاب السياسي الفلسطيني لدى بعض الأطراف، ويكشف زيف إدعاءات حرص البعض على الوحدة الوطنية وإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني، وزيف حرص البعض على العلاقات الوطنية الأخوية وعلى طبيعة مرحلة التحرر الوطني التي نعيشها وتتطلب حشد طاقات كل قوى الشعب السياسية والأهلية بعيداً عن الهوية الفكرية والتناقض معها، لأن الأولوية هو التناقض مع الاحتلال.
ومن الأخبار الملفقة والمزورة التي توزع على المهرجين وقنوات إعلامية محسوبة، كان الردح والانتهازية هو السمة الطاغية على مواقفهم على سبيل المثال أن سبب مشاركة الجبهة الديمقراطية في دورة «المركزي» هو حصولها على شواغر ومناصب، علماً أن تلك حقوق تنظيمية ومالية للجبهة وليست منة من أحد سلبتها القيادة المتنفذة في منظمة التحرير نظراً لمواقف الجبهة النقدية لسياسات قيادة السلطة في التفرد والانفراد في القرار الوطني وعدم تطبيق قرارات الإجماع الوطني بما فيها المجلسين المركزي والوطني،
ولكن من يتحدث عن لغة «الانتفاع»، عليه أن يرى ما فعلته حركة حماس في المشروع الوطني الفلسطيني، ودون التطرق إلى مزاريب الأموال القطرية التي تدخل لغزة بموافقة إسرائيلية، ومشاريع «التهدئة مقابل المال» في غزة، ودون النظر ماذا يفعل قادة حماس في دولة اسمها تركيا وفي إمارة اسمها قطر تقيمان علاقات مع إسرائيل دون نطق كلمة واحدة، وعليه فقدت حملات التشويه والردح السياسي روح النقد والبحث الموضوعي، وتحول أصحابها إلى قناصي معدومي الرؤية بتحسسهم من الجبهة الديمقراطية ليس سوى تصديها للانقسام والتفرد وخطواتها في إعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها وهيئاتها.
ومن اللافت في حملة التشويه والتشهير من أكثر من طرف سياسي اعتمد ذات الأفكار والعبارات، وصبّ جل غضبه على الجبهة الديمقراطية لكونها شاركت في دورة «المركزي» دفاعاً عن قرارات الاجماع الوطني للخلاص من مسار أوسلو وقيوده والتزاماته ومحاسبة المسؤولين عن عن التلكؤ في تنفيذ هذه القرارات أو تعطيلها، وإنهاء الانقسام والتفرد وصون وحدانية التمثيل الفلسطيني وتفعيل منظمة التحرير ومؤسساتها وهيئاتها، ولمنع هبوط السقف السياسي لمخرجات المجلس المركزي والتي لا تقل أهمية عن قرارات «الوطني» في دورته الأخيرة ولا سيما بشأن الخروج من مسار أوسلو ووقف التنسيق الأمني، كونه يدرك أن الجبهة تشكل النصاب الوطني لجلسة «المركزي» ومنظمة التحرير.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه، لماذا كل هذه الهجمة المسعورة والممنهجة وحملات التشويه والتشكيك في دورة المجلس المركزي الحادية والثلاثيون ومخرجاتها قبل أيام من بدءها وحتى بعد انتهاءها؟!
الاجابة تكون هكذا، إن شيطنة «المركزي» والتشكيك بمخرجاته هي خطوة تمهيدية لاصطناع البدائل وتمزيق وحدانية التمثيل الفلسطيني منظمة التحرير الفلسطينية. ومن اللافت أيضاً أن حركة حماس دعت علناً بعد معركة «سيف القدس» لإعادة بناء م.ت.ف على أسس جديدة تراعي نتائج المعركة وفق ما أفرزته من انتصارات ما يؤكد ارتكاب «حماس» خطاً في التعاطي مع الوضع الفلسطيني بمنطق حسابي بحت وليس سياسي يستوعب كل ما يحيط بالمعادلة الوطنية من تعقيدات، ليس أقلها حساسية ودقة مسألة الإمساك بالسلطة.
في حين لم يعد سراً القول أن ثمة من يتحرك في صفوف الجاليات الفلسطينية في أوروبا بتمويل ودعم عربي وإقليمي يدعو لتشكيل مجلس وطني فلسطيني بديل، ينتخب لجنة تنفيذية بديلة، على رأس م.ت.ف بديلة، في مواجهة منظمة التحرير الفلسطينية الحالية التي ذهب البعض إلى تخوينها وتخوين من شارك في دورة مجلسها المركزي، والدعوة لبناء بدائل عنها. وليس بعيداً ما جرى في مؤتمر إسطنبول وغيره من المؤتمرات والتي لم يكتب لها النجاح،
وحين يجري تشكيل البديل للمنظمة، هنا سيترتب على ذلك انقساماً ليست في مؤسسات السلطة فحسب بل سيمتد لمؤسسات منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني والمعترف بها دولياً، وحينها ستلحق الدمار بحركتنا الوطنية والتصفية لانجازاتها وسنفتقد أياماً جميلة عشناها وقدمنا فيها تضحيات جسام دفاعاً عن وحدانية الكيانية الفلسطينية وتمثيلها للشعب الفلسطيني.
للأسف أقول أننا مع كل التقدم المعرفي فيما لا تزال أحلام البعض تتخذ طبيعة النيل منفرداً من غير اهتمام بواقع وهموم الناس، أما آن الأوان ليتخلص البعض من هذه العيوب الأخلاقية، وقد ألفنا ومللنا سماع الكلمات المسمومة المؤلفة على غُلْ مع «الآخر»، بدلاً من الحوار خاصةً في القضايا الوطنية المصيرية.
أريد لهؤلاء من الفصائل أن يقرؤوا بتمعن وتفحص مقالة للدكتور أحمد يوسف القيادي في «حماس»، والتي حملت عنوان «الإعلام الفلسطيني وغياب البوصلة الوطنية...»، أورد منها مقاطع هامة، وذلك لحساسية ملامستها الواقع وكيفية تشخيصه بشفافية دور الإعلام.
وإليكم بعض من الاقتباسات، كما يقول د. أحمد يوسف: «للأسف، إعلامنا الفلسطيني بكافة مؤسساته وفضاءاته ينحو نحو الحزبية، فليس أمامه منذ أن وقع الانقسام في يونيو 2007 إلا تأجيج حالة الصراع، والايغال بتعميق العداء والكراهية، وتجريح أطراف الخصومة السياسية، وتوظيف كل إمكانياته ومهاراته باتجاه تسديد ضربات موجعة لهذا الطرف أو ذاك».
ويضيف د. يوسف: إن «ما فعلناه بأنفسنا بعد الانقسام كان جريمة لا تغتفر بحق الشعب والقضية، حيث أضعنا هذا المقدس، وذلك عبر تداولاتنا الإعلامية لمشاهد ولغة حوار سياسي يفتقر إلى أبسط قواعد الأخلاق وأدب الخلاف، وكل ذلك كان يجري – للأسف - على مسمع وبصر المشاهد العربي عبر فضائياتنا العتيدة، والتي تفتقر إلى أبسط قواعد المهنية وما تمثله من أمانة حمل المسئولية، باعتبارها وسائط لها مهمات رسالية محددة، وليس محطات لتنفيس أحقاد ومهاترات هذا الفصيل أو ذاك».
ويبين د. يوسف: «في الحقيقة، إن ما شاهدناه من أشكال المناكفات والاتهامات وسياقات الردح الذي لا يقف عند أية حدود، والذي صاحبنا في فضائياتنا الفلسطينية خلال سنوات الانقسام العجاف، هو الذي ندفع ثمنه غصة وحسرات موجعة اليوم، وذلك بعدم قدرتنا على انجاح المصالحة، وتمكين المخلصين في هذا الوطن من طي صفحة الماضي، برغم كل المحاولات والجهود التي بذلها القريب والبعيد لإخراجنا مما نحن فيه من درك سياسي هابط، إلا أن التعثر والاخفاق – للأسف - هو سيد الموقف، وعنوان واقع الحال البغيض».
ويوضح الدكتور أحمد يوسف: إن «المصالحة الوطنية ستبقى متعثرة تراوح مكانها، وستظل دون الوصول إلى غايتها أو تحقيق أهدافها، إذا ظل إعلامنا الفلسطيني جزءاً من المشكلة وليس طرفاً في الحل».
نعم؛ حين يكون الحديث في الأزمة الوطنية والانقسام علمياً وموضوعياً، تكون معادلات المعالجة علمية وموضوعية، ليس عبثاً أننا نطالب بثقافة عامة رفيعة تنبذ الجدران الداخلية في الذات، فهي مؤتمنة على إنسانية رفيعة أيضاً، نحو إسقاط الانقسام ... وإنهاء أزمة المشروع الوطني الفلسطيني بدايةً على طريق فلسطين إلى الحياة ...، فمتى نرى هذه الثقافة التي تربيّنا عليها توصلنا، طالما الحياة خارج الذات تستحق الاحترام ... وهذا هو الفرق بين الحوار واللا حوار. ■