أعتقد جازماً أن الأخ يحيى السنوار يعلم جيداً أن نسبة الفقر في قطاع غزة حسب إحصاءات البنك الدولي 64%، وأن انعدام الأمن الغذائي في القطاع وصل إلى 68%، وأن نسبة البطالة 46%، أغلبهم من الشباب والخريجين.
ويعلم السنوار أيضاً أن أكثر 1500 وحدة سكنية تم تدميرها تدميراً كاملاً في العدوان الإسرائيلي الأخير. يضاف ذلك إلى وقف إدخال المنحة القطرية منذ ثلاثة شهور ويستفيد منها مئة ألف أسرة، وعدم صرف شيكات الشؤون لثمانين ألف أسرة فلسطينية هم الأشد فقراً في القطاع، وهناك 50 ألف موظف حكومي في قطاع غزة يعملون منذ سنوات بنصف راتب تقريباً، غير العقوبات التي فرضها الرئيس محمود عباس على قطاع غزة، وأزمة الكهرباء التي بات يشعر المواطن أن حل القضية الفلسطينية أقرب من حل مشكلة الكهرباء.
يعلم السنوار أيضاً أن ١٠٤١ طالب ثانوية عامة لهذا العام مسجلون على برنامج مكافحة الفقر (العائلات الأشد فقراً) حصلوا في الثانوية العامة على معدل ٩٠% فما فوق بقطاع غزة. ٤٤٥ طالب من هذه الشريحة حصلوا على ٩٥% فما فوق، وذوي هؤلاء يشعرون بالقهر صباح مساء لعدم تمكن عدد كبير منهم الالتحاق بالجامعات الفلسطينية.
إنها معضلة غزة التي رسم الاحتلال خارطة أزماتها، ويرسخ قواعد متينة لديمومة واستمرارية الأزمة تمثلت بحالة الانقسام، والتيه السياسي، والفشل الإداري، وهذا يدفعنا لطرح تساؤل ما هي خيارات حماس في غزة...؟
ثلاث خيارات أمام حماس لا رابع لهما، بعد أن أصبح خيار الوحدة الوطنية والمصالحة والانتخابات حلم بعيد المنال للأسف. والخيارات الثلاثة هي:
1. بقاء الواقع على ما هو عليه الآن وفي أحسن الأحوال العودة إلى ما قبل معركة سيف القدس.
في تقديري أن أطراف عديدة تدفع بأن ترجح هذا الخيار وعلى رأسها إسرائيل، وهو من أخطر الخيارات وأقلها تكلفة على كل من يعادي المقاومة الفلسطينية وحركة حماس، وهذا الخيار مرفوض من المجتمع الفلسطيني الذي ينشد الخلاص من الحصار والاحتلال، ينطلق من فرضية أن الحصار أشد فتكاً وخطورة من الحرب. وأن معادلة الهدوء مقابل الهدوء دون رفع كلي للحصار هي معادلة ظالمة تؤثر على الحاضنة الشعبية للمقاومة على المستوى القريب والبعيد.
2. المقاومة الشعبية.
خيار المقاومة الشعبية له وجهان: العودة إلى مسيرات العودة والأدوات الخشنة لها، أو الذهاب باتجاه مسيرات سلمية في قلب المدن لإيصال رسالة للعالم بضرورة كسر الحصار، وقد تحقق المقاومة الشعبية نتائج ولكنها في تقديري ترتبط بحجم الخسائر المترتبة عليها إسرائيلياً، وما يمكن أن ينبثق عنها من ضغوط من سكان الغلاف على الحكومة الإسرائيلية.
3. المقاومة العسكرية.
يعني دخول السلاح على خط المواجهة وحسب التجارب السابقة فهذا يعني الدخول إلى جولة قتال جديدة، وحسب الجولات السابقة في (2008-2012-2014-2021) فإن الأداء العسكري كان مفخرة لكل مواطن على هذه المعمورة، ولكن سياسياً لم نحقق الأهداف المرجوة، وعليه مطلوب تقييم حقيقي حول هذه المسألة عبر طرح الأسئلة التالية:
1. لماذا لم تحقق حماس أي نتائج سياسية عبر المعارك العسكرية...؟
2. لماذا حققت حماس تفاهمات من خلال مسيرات العودة ساهمت في التخفيف من حالة الحصار...؟
3. هل ممكن أن تحقق حماس نتائج دون اللجوء لخيارات المقاومة الشعبية أو العسكرية، وكيف...؟
في تقديري أن الإجابة على تلك التساؤلات من مراكز بحث منفتحة على طبيعة التحولات والمتغيرات المحلية والإقليمية والدولية ممكن أن تطور من الأداء السياسي لحركة حماس وباقي فصائل المقاومة ما ينعكس ايجاباً على الواقع الإنساني في قطاع غزة.
والسؤال الثاني: هل تقتصر خيارات حماس على هذه الخيارات...؟
ما الذي يمنع من أن تفكر حماس من إشراك النخب السياسية والقوى السياسية والمجتمع المدني في التفكير بالخروج من عنق الزجاجة...؟ قد يقول بعض قادة الحركة أن هؤلاء النخب يرفضون، هذا صحيح ولكنها رؤية قصيرة النظر، لأن جزء من هذه النخبة هي انتهازية، ويوجد في مجتمعنا الكثير ممن يقبل.
ما الذي يمنع أن تبدأ عملية ديمقراطية في قطاع غزة تبدأ بالنقابات والجمعيات والاتحادات والبلديات...؟ ويخرج عنها مجلس حكماء يدير القطاع جنباً إلى جنب مع لجنة متابعة العمل الحكومي، يناط بهذا المجلس وضع السياسات والاستراتيجيات التي تفكك مشاكل غزة الإنسانية، ويسمح لهم بالجلوس مع الجميع داخلياً وخارجياً بما يحقق هدف كسر الحصار، والسماح ببناء ميناء ومطار، وإدخال العمال للعمل داخل الخط الأخضر.
الخلاصة: ملف حصار غزة يجب أن يكون هدفاً لكل فلسطيني وعربي وحر في هذا العالم، كفى كل هذه السنوات، على الجميع أن يتحرك في كل الاتجاهات، لعل وعسى ينجح هذا الحراك، وصدقوني لو نجحنا في احداث اختراق في ذلك سيرفع الفيتو عن المصالحة والانتخابات إلخ...