يزداد الحديث في الداخل الصهيوني عن احتلال غزة، ويُجري جيش الاحتلال الإسرائيلي تدريبات واسعة لمحاكاة هذا السيناريو، وبات من الواضح أن القرار داخل المستوى السياسي في إسرائيل يتأثر بشكل لافت من حالة الاستقطاب الحزبي وقرب موعد الانتخابات، وميل المجتمع الإسرائيلي لليمين المتطرف.
ما سبق يدفعنا لطرح التساؤلات التالية: هل فعلاً قادرة إسرائيل على احتلال قطاع غزة بالكامل..؟ وما هي الخسائر المحتملة...؟ وما هي سيناريوهات تعاطي الحكومة الصهيونية مع احتلال القطاع.
أولاً: مدى قدرة إسرائيل على احتلال القطاع.
ضمن موازين القوى، ومع غياب الظهير العربي والإسلامي، وفي ظل حالة الانقسام السياسي، والانحياز الغربي للاحتلال الصهيوني، فإن إسرائيل قادرة على احتلال كامل لقطاع غزة، بغض النظر كم من الوقت تحتاج لإنجاز تلك المهمة، ولكنها في نهاية المطاف قد تحققها.
ثانياً: الخسائر السياسية المحتملة.
كيف من الممكن أن تتعاطى إسرائيل مع الخسائر السياسية بعد احتلالها لقطاع غزة، كيف ستكون صورتها أمام مؤيديها..؟ ما هو مستقبل التطبيع مع العالم العربي والإسلامي..؟ كيف ستتعاطى إسرائيل مع المؤسسات الحقوقية وملف التقاضي الدولي..؟ كم عدد الدول التي ستقطع علاقاتها الدبلوماسية مع دولة الاحتلال لا سيما في إفريقيا..؟
نعم، إسرائيل دولة منبوذة، وتمارس إرهاب الدولة، وستتضح تلك الصورة أكثر بعد احتلالها لقطاع غزة، وستخسر إسرائيل دبلوماسياً وسياسياً وقانونياً.
ثالثاً: سيناريوهات تعاطي الحكومة الصهيونية مع احتلال غزة.
ثلاثة سيناريوهات من المحتمل أنها على طاولة بنيامين نتانياهو وأركان حكومته وهي:
1. سيناريو تعاطي نتانياهو مع حجم الخسائر البشرية والمادية.
نفترض أن إسرائيل احتلت قطاع غزة بالكامل، في اليوم التالي كيف سيتعاطى نتانياهو مع حجم الخسائر البشرية والمادية من الطرفين، كيف سيسوّق إلى مجتمعه مقتل مئات بل ربما الآلاف من جنوده أمام المجتمع الإسرائيلي، لاسيما أمام الأحزاب الصهيونية اليمينية التي تدفعه لخوض غمار المعركة بهدف النيل منه ومن حزبه سياسياً في أي انتخابات محتملة.
ماذا ستقول الحكومة الاسرائيلية للرأي العام الغربي، ولمؤسسات حقوق الإنسان، وكيف ستعالج إسرائيل صور آلاف الأطفال القتلى والجرحى في العقل الجمعي الدولي، وما هو انعكاس ذلك على مستقبل دولة إسرائيل.
2. سيناريو تعاطي نتانياهو مع سيناريو غياب البديل.
نفترض أن إسرائيل احتلت قطاع غزة بالكامل، فمن انسحب من قطاع غزة عام 2005م، لا يمكنه العودة إليها، فهي عبء كبير من الناحية الديموغرافية والاقتصادية والسياسية، وبذلك سيبحث نتانياهو عن البديل عن حكم حركة حماس، فيا ترى من هي الجهة المستعدة للقبول لحكم قطاع غزة على ظهر دبابة إسرائيلية، السلطة الفلسطينية وفتح لا يمكنها القبول بالعودة لغزة وفق هذا السيناريو، وبذلك البديل المحتمل يقع بين خيارين:
• الفراغ الأمني والسياسي، وهو خطر أكبر من بقاء حكم حماس.
• تنظيم داعش، ويشكل الفراغ والفوضى ملاذاً آمناً لنموه وانتشاره، وهو ما يشكل خطراً أكبر بكثير من الخطر الذي قد تسببه حماس لإسرائيل على قاعدة عدو عاقل أفضل بكثير من عدو متهور.
3. سيناريو تعاطي نتانياهو مع السيناريو الأسود.
السيناريو الأسود بالنسبة للحكومة الصهيونية بعد احتلالها لقطاع غزة يتمثل بالكتلة السكانية (المعادلة الديموغرافية)، بحيث تجد إسرائيل نفسها مضطرة للتعاطي مع قطاع غزة كجزء من دولة الاحتلال، ويحصل سكانه على كامل الحقوق والواجبات وصولاً إلى اجتياح بشري للسكن داخل فلسطين المحتلة (إسرائيل) بسبب دوافع الحرب والحصار، وفي ذلك اختلال واضح للمعادلة الديموغرافية، وتراه إسرائيل بأنه الخطر الاستراتيجي الأكبر على دولة الاحتلال.
الخلاصة: لو فكر نتانياهو والحكومة الصهيونية قليلاً وتأملوا بدوافع ومطالب المحتجين ضمن مسيرات العودة وكسر الحصار على طول حدود قطاع غزة، وأعاد تقييم حرب 2014 التي ألقى بها على قطاع غزة ما يقارب 20 ألف طن من المتفجرات قتلت 2200 مدني، ورغم ذلك لم تكسر إرادة الفلسطينيين، لو فكر في دفع الثمن المادي لتلك القنابل من خلال رفع الحصار وإقامة الميناء والمطار في قطاع غزة، وفتح باب العمالة أمام العمال الفلسطينيين ليعملوا داخل الخط الأخضر، وقام بعملية تبادل للأسرى يعود الجميع لأمهاتهم وذويهم، لكان ذلك أقل تكلفة من الحرب والقتل والعنف.