يبدو أن سيناريو إلغاء الانتخابات باتت احتمالاته تتزايد في ضوء التطورات والردود السلبية.
وهي ردود لا تأتي فقط من اسرائيل بل من الدول الأخرى والتي كانت أشد ضغطاً على الفلسطينيين وإذ بها في لحظة الحقيقة تبدي حياداً يشبه حيادها القاتل الذي شهدناه منذ أن بدأت عملية التسوية الخادعة التي وصلت منذ سنوات إلى نهايتها الحقيقية.
فإسرائيل بات يسيطر عليها أشد اليمين تطرفاً ووسط ظروف دولية واقليمية مريحة لها إذ تخلو من أي ضغط، وهي ليست مضطرة لتقديم تنازل يمس بـ»سيادتها «حتى وإن كان الأمر جزءا من اتفاقيات سابقة داستها اسرائيل بأقدامها وألقت بها في وجه الجميع بدءا من الولايات المتحدة وأوروبا ونهاية بالعرب والفلسطينيين.
المعادلة التي وضعت منذ البداية معادلة «لا انتخابات دون القدس» تغلق الخيارات على خياري «إما خسارة أو خسارة»، أي إذا أردنا انتخابات يجب أن نتنازل عنها في القدس، أو بالمقابل إذا لم يقبل الاسرائيلي بإجرائها هناك هذا يعني أننا لن نجري انتخابات، أي سنعاقب أنفسنا إذا عاقبنا الاسرائيلي وبذلك نكون كمن يهدد الآخرين بإيذاء ابنه وفي الحالتين كلتيهما فإن الأمر يبشر بخسارة لا بمعركة على الأقل يكسب الفلسطيني فيها نقاطاً وليس نصراً.
اشتعلت القدس في اللحظة التي وصل فيها إحباط المشروع الوطني إلى ذروة سواده، وكأن قدر المدينة المعذبة أن تفتح نافذة الأمل في هذا الجدار الصلب من الإحباط وفي كل مرة تلقي القدس بخشبة الخلاص التي يتعلق بها هذا المشروع الغارق في تعقيداته الخارجية والداخلية وما صنع به أبناؤه، فهي ترسم خارطة طريقنا قائلة كما المسيح حين انتفض «إن أراد أحد أن يأتي فليحمل صليبه ويتبعني» وإذ بكل المدن والقرى والبلدات في الوطن تتبعها تندفع للشوارع غير عابئة بوباء كان أقل وطأة من وباء العربدة الإسرائيلية في القدس.
تململت القدس فاهتز الوطن كله من رفح حتى جنين وأم الفحم التي أتت رجالاً.
وللإسرائيلي أن يعيد القراءة من جديد: كيف لا يخاف الناس على أرواحهم في هذا الوضع الوبائي الخطر، فالقدس هي روح الشعب الثائر وروح فلسطين وسرها وسرتها، وهكذا تتحرك الروح الإسلامية والمسيحية بيد واحدة عندما تتحدى المدينة بطش الاحتلال.
الصواريخ التي انطلقت من غزة ليلة سيادة القدس بدا وكأنها استولت على الخبر الرئيس وحرفت الأنظار عن شعب استبد الغضب بصدره فخرج إلى الشوارع كمن لدغته كل أفاعي الأرض يتحرك مندفعاً بكل ما حملته إرادة الفلسطيني التي قلبت الطاولة مراراً عندما تعرضت القدس للخطر.
وهذه المرة كان الخطر لا يشبه سابقاته حيث هجوم المستوطنين ونزع شرعية الفلسطيني إلى الأبد من خلال حرمانه من رمزية الارتباط بمدينته لممارسة حقه بالانتخاب.
وهي معركة قررها الفلسطيني ومن يعتقد أن كل حركة في هذا الوطن لا تحمل بعداً صراعياً مع المحتل عليه أن يعيد النظر بوجود الحكم الفلسطيني على هذه الأرض وقراءته للواقع من جديد. فالانتخابات في القدس معركة بل ويتكثف الصراع الطويل برمزيته وهويته فيها لذا فإن التراجع عن الانتخابات لأن الإسرائيلي يرفض إجراءها فيها ليس سوى استسلام بارد للإرادة الإسرائيلية وكفى الفلسطينيين شر القتال، والأخطر إذا ما تأجلت الانتخابات في القدس فإن ذلك يعني خسارة الانتخابات وعدم كسب معركة القدس، أي هناك خسارة مزدوجة تفرض البحث عن مخرج يضمن تحقيق انتصار حقيقي بات ممكناً بعد قياس حجم وإصرار الإرادة الشعبية.
في القدس يبلغ عدد الناخبين 180 ألف ناخب يسمح لهم بالتصويت أينما يريدون خارج المدينة، أما في داخل القدس وفقاً للاتفاق مع الإسرائيليين فيسمح لـ 6300 من الناخبين في ثلاثة مكاتب للبريد وقد صوت منهم 2500 في انتخابات العام 2006، وهنا يصبح من الممكن التغلب على الأزمة لهذه الآلاف القليلة العدد والكبيرة الرمزية بأن تستمر الانتخابات وتحدد أماكن للصناديق في دور العبادة وتخاض حولها المعركة ويستدعى فلسطينيو الـ48 لهذه المعركة في هذا اليوم.
وكما كانت أم الفحم أسطولاً من الدعم ليلة سيادة القدس ستأتي بالرجال كعادتها ومن الممكن أن نطلب تواجد أعضاء الكنيست العرب وأحزابهم فهم في ذروة قوتهم الأن كبيضة قبان الحكومة وكذلك لجنة المتابعة العليا للمراقبة على الصناديق هناك وللتواجد وللاشتباك ولخوض معركة القدس.
هذا ممكن حتى لو تمكن الإسرائيلي من تخفيض العدد من 2500 لمجرد مئات نكون قد كسبنا الانتخابات والقدس معاً أما دون ذلك فهو الاستسلام والنواح الخافت وهذا لا يليق بشعب يصعد نحو شمس الوطن...!