انتهت حوارات القاهرة وعادت الفصائل الفلسطينية الى الوطن، والجميع يستعد الآن لخوض معركة الانتخابات، ورغم كل ما قيل عن تأجيل ملفات حساسة الي ما بعد انتخاب المجلس التشريعي الجديد ليتولى أمرها، وبغض النظر عن القفز على بعض مؤشرات الخطر التي تم التنويه لخطرها وعلى رأسها المحكمة الدستورية، إلا إن قرار المضي قدماً نحو الانتخابات وعدم تخييب أمل الشعب الفلسطيني مرة أخرى يحسب لكل من شارك في اجتماع القاهرة وخرج بهذه النتيجة المعبرة عن إجماع الكل الفلسطيني.

الانتخابات سوف تفرز القيادة الجديدة التي سيُلقى على كاهلها معالجة آثار الانقسام المستمرة منذ خمسة عشر عاماً، وهي ليست بالمهمة السهلة، وتحتاج الى قيادة حكيمة ذات أفق واسع، تنظر للوطن قبل كل شيء، لا تأبه لضغوط أصحاب المصالح، ولا رغبات الفئات المنتفعة الضيقة، ولا تتأثر بمغريات المنصب، ولا ينال من عزيمتها ترهيب الأعداء.

قيادة بهذه المواصفات تحتاج من الناخب الفلسطيني أن يكون واعياً في خياراته عندما يقف في مركز الاقتراع ليختار قيادته، منزوياً وراء ستار يحجبه عن كل الناس، ولكن لا يحجب وعيه الذي يبقى رفيقه الوحيد هناك.

سوف يسمع الفلسطيني كلاما كثيراً ويتلقى وعوداً شتى، وسوف يحظى بابتسامات لم يكن يألفها، وقد يتلقى طرود مساعدات دون أن يسأل عنها، وسوف يُدعى الى حوارات وندوات ليسمع منه علية القوم، الذين لم يكن يخطر لهم ببال، ولم يكن هو قادراً على الوصول الي أعتابهم المقدسة، أجل سوف يستقبل بحفاوة بالغة وترحيب حار، وإذا تحدث سينصت الكبار لكلامه، واذا تبرم سيسرع المتحدثون لإرضائه، واذا ابتسم سيبتسم ويرتاح الكبار، واذا غضب سيتوترون ويرتبكون.

باختصار خلال المرحلة القادمة ولمدة محددة سيكون المواطن هو الملك الذي يسعى الجميع لإرضائه، وسيخاف الجميع من غضبه وسخطه، ولكن كل ذلك للأسف سيكون لفترة محددة تنتهي يوم 22/5/ 2021م.

وبعد هذه الفترة سَيَحْكم على المواطن خياراته التي وضعها في صندوق الاقتراع، فإن أحسن الاختيار فقد أحسن لنفسه ولمستقبله ولوطنه، وإن أساء فلا يلومن إلا نفسه، وعليه أن ينتظر لأربعة أعوام أخرى على الأقل (هذا ان سارت الأمور وفقا للدستور) ليعود له ملكه الذي فقده، ويرجع للجلوس على سده العرش مرة اخري ليختار وكيلاً عنه لأربع سنوات قادمة.

ما أتحدث به ليس ضربا من السخرية أو الفكاهة، بل إن ما أتحدث به هو نص دستوري، ربما يمر عليه الجميع مرور الكرم أو ربما لكثرة ما امتهن هذا النص لم يعد يعطيه البعض قيمته التي يستحق.

هذا النص هو المادة الثانية من القانون الأساسي التي تقول" الشعب مصدر السلطات ويمارسها عن طريق السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية على أساس مبدا الفضل بين السلطات على الوجه المبين في هذا القانون الأساسي"

فالشعب هو موئل السلطة ومصدرها، وبذلك هو صاحبها والمتصرف الوحيد بشأنها، والسلطة تعني في اللغة السيطرة والتحكم والقدرة والقهر، هذه المعاني كلها تعني قدرة الشعب التي تعلو قدرة كل حزب أو زعيم أو قائد، وكل من سبق ذكره لا يزيد على مستخدم لدى الشعب لفترة من الزمن، ويبقى الشعب هو صحب الكلمة الأولى والأخيرة.

ما سبق هو حكم الدستور الذي ارتضاه الشعب لنفسه، والخروج عليه هو خروج على إرادة الشعب، وسلب لسلطانه، وإهدار لأسس العلاقة الثابتة بين الشعب والقائمين على خدمته.

لذلك الشعب اليوم يسترد سلطته وتعود له إرادته المغيبة منذ خمسة عشر عاماً، واليوم يعود لمكانته عزيزاً أبياً ليخطب الكل وده ويسأله الرضى والقبول.

شعبنا اليوم مدعو لأن يضع ثقته في الأمين، الذي يصون ولا يفرط، الذي ويقدم ويبذل ولا يغل، الذي يحمل ولا يُحمل.

 وكذلك فان الشعب مدعو لان يبقى قائماً بسلطته رغم التفويض الذي يمكن أن يمنحه لأي أحد، فالأصيل يبقى هو صاحب الحق، والمُفَوَضْ يبقى وكيلاً، ولا يحق للوكيل تجاوز حدود وكالته، وإلا عُزل من قبل الأصيل.

الانتخابات القادمة هي تفويض جديد من الشعب الفلسطيني لبعضٍ من أبنائه، ليقوموا على مصالح أمتهم، ولسان حال الشعب يقول لهم: اذا ما تم التفويض فليحسن المُفَوَضُون عملهم، وليؤدوا أمانتهم، وليحترموا حدود تفويضهم، وليصونوا حقوق شعبهم الذي ائتمنهم على أمانيه وحاضره ومستقبله، فليست المسألة تنافس للشرف أو المكانة أو الوجاهة، بل العمل المُضني والشاق، ووصل الليل بالنهار، وبذل الروح إن تَطَلب الأمر،  فليس القائم بالأمانة أقل طلباً ولا أبعد مكاناً عن مواجهة الخطر أو اقتحامه من المُؤَمِن الذي ما زال يواجه الموت ويقتحم الخطر منذ مائة عام من الزمان، فمن لم يجد في نفسه الشجاعة والقوة والقدرة لحمل هذا اللواء فلا يقربن مجالسنا، وليتقدم ذو العزيمة والقدرة والكفاءة، فليس لدينا مزيد من الوقت لإهداره في تجارب فاشلة.