يدور في داخل المطبخ السياسي لحركة الجهاد الإسلامي جدلاً كبيراً حول قرار المشاركة السياسية في الانتخابات التشريعية المقبلة، والتي حددها الرئيس محمود عباس في مرسوم رئاسي يوم 22/5/2021م، وما يميز حركة الجهاد الإسلامي أنها لم تفكر في داخل مطبخها السياسي وفقط بل قادت في الآونة الأخيرة حواراً مجتمعياً لاستمزاج رأي النخب السياسية والفكرية داخل المجتمع الفلسطيني وخارجه، وكان الرأي الغالب لدى النخب المجتمعية بحث حركة الجهاد على المشاركة ودخول المعترك الانتخابي، إلا أن أوساطاً مؤثرة داخل الحركة الإسلامية مازالت تضغط باتجاه المقاطعة.
يقدم هذا المقال تقديراً للموقف لعله يساهم ولو بالحد الأدنى في صناعة قرار سليم لحركة تلقى قبولاً لدى شريحة عريضة في الشارع الفلسطيني.
من يصنع القرار داخل حركة الجهاد الإسلامي لابد أن يبدأ من تحليل البيئة السياسية للتنظيم ثم يتوسع قليلاً للبيئة المحلية الفلسطينية ثم الاقليمية والدولية، وبعد ذلك يحلل ما يمكن أن تحدثه الانتخابات الفلسطينية من تغيير للواقع وهنا يقدر ماهية هذا التغيير مع الواقع المعاش ضمن محدد المصلحة الوطنية والحزبية، ومن ثم ينطلق صانع القرار في صياغة قراره وفقاً للمعادلة السابقة وعلى مبدأ حسابات الربح والخسارة.
أولاً: تحليل البيئة الداخلية لحركة الجهاد الإسلامي.
نجحت حركة الجهاد الإسلامي في الآونة الأخيرة من استقطاب شريحة واسعة من أبناء شعبنا الفلسطيني لصفوفها، ومن بناء منظومة مؤسساتية تجعل منها حركة أكثر تنظيماً وتأثيراً في إيصال رسالتها للمواطن، وفي تحقيق رؤيتها كحركة تحرر وطني، ولكنها في نفس الوقت تأثرت كثيراً في الفترة الأخيرة نتيجة حصار أكثر الدول دعماً لها وهي الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وهو ما انعكس عليها بشكل كبير في رسالتها الوطنية والسياسية، وأثر أيضاً على وضعها الداخلي بحيث لم تنجح الحركة من صرف رواتب موظفيها كاملةً منذ عدة أشهر، ومع زيادة حضور الحركة في المشهد السياسي تزداد متطلباتها في كافة المجالات المدنية والعسكرية، ويزداد الضغط عليها شعبياً بضرورة تحمل مسئولياتها من داخل مؤسسات النظام السياسي الفلسطيني.
ثانياً: تحليل البيئة السياسية الفلسطينية.
لا يمكن لحركة الجهاد الإسلامي تقدير الموقف تجاه المشاركة من عدمه بمعزل عن تحليل الواقع السياسي الراهن، سواء المتمثل بمنحنى تراجع المشروع الوطني بسبب المشروع الصهيو أمريكي، والانقسام، والتفرد والهيمنة من قبل الرئيس محمود عباس على مفاصل النظام السياسي الفلسطيني، ولا يمكن لمواجهة ذلك وكسر هذه الهيمنة دون دخول مؤسسات النظام السياسي من الداخل، وتشكيل لوبي وطني يهدف بالدرجة الأساسية لبناء نظام سياسي ديمقراطي تعددي، لا هيمنة لطرف بعينه عليه، والبدء بإجراءات إصلاحية في كافة مؤسساته، حتى يكون قادراً على مواجهة التحديات التي تعصف به. بالإضافة إلى تحمل المسئولية في الرقابة على الحكومة وإحداث توازن ينعكس ايجاباً على تعزيز صمود جميع شرائح مجتمعنا الفلسطيني.
وحتى يحدث ذلك لابد أن تمثل حركة الجهاد الإسلامي بالمجلس الوطني والتشريعي لا سيما أن أعضاء التشريعي هم أعضاء بالوطني وفقاً للمادة رقم 4 فقرة 6 في قانون الانتخابات.
رابعاً: تحليل البيئة الاقليمية والدولية.
رأس المقاومة في المرحلة القادمة مطلوب، هذا ما ينبغي أن تعلمه كافة فصائل المقاومة، والبقاء خارج النظام السياسي في مرحلة بات تجديد الشرعيات مطلباً إقليمياً ودولياً لاسيما من طرف الإدارة الأمريكية الجديدة والاتحاد الأوروبي، فإن البقاء خارج النظام السياسي والمقاطعة للانتخابات هذا من شأنه أن يضعف تيار المقاومة، ويعزز من الصوت الذي ينادي بضرورة الحسم للملف الفلسطيني، وهو ما يستدعي أن تعمل فصائل المقاومة في هذه المرحلة على التسلح بوحدة الموقف والهدف، والتسلح بالشرعية التمثيلية التي تفرزها صناديق الاقتراع، ولكن على أن يراعى التمييز بين المشاركة السياسية بالانتخابات والمشاركة بالحكم عبر قيادات الصف الأول، ففي شعبنا العديد من النخب التي تستطيع أن تحدث توازناً بين بناء نظام سياسي قادر على الارتقاء بالمشروع الوطني، وفي نفس الوقت إحداث اختراق في ملف الحصار الذي يهدف لتدجين شعبنا عبر ضرب الحاضنة الشعبية للمقاومة.
الخلاصة: إن من أهم مزايا مشاركة الجهاد الإسلامي في الانتخابات التشريعية هو صناعة تعددية سياسية داخل البرلمان، وكسر الهيمنة لأي فصيل أو شخص، وكسب أصوات الأراضي الفلسطينية (الداخل الفلسطيني) للتمثيل في المجلس الوطني وباقي مؤسسات م.ت.ف، وشرعنة المقاومة من داخل البرلمان ومؤسسات الدولة، والعمل على إصلاح النظام السياسي، ومحاربة الفساد، وأن يعمل نواب الجهاد الإسلامي لمؤازرة الشرائح المجتمعية المختلفة.
وإن كان للمشاركة من عيوب هو الخوف من استنساخ للفشل، وأن تتلوث الحركة بهذا الفشل، والخوف من حالة الاستقطاب الداخلي بين فتح وحماس بما لا يمنح الحركة من الحصول على مقاعد بحجم تضحياتها وحضورها، وأن تفشل الحركة بعد دخولها من الانتقال من برلمان السلطة إلى برلمان الدولة، بما يجعلها تجد نفسها في وحل أوسلو الذي ترفضه، وترى فيه أنه لم يعد صالحاً.