يرحل عن عالمنا مبكرا المبدع الجميل والمخرج الدرامي السوري "حاتم علي" تاركا وراءه إرثا زاخرا بالعطاء والتميز اللامحدود في عالم الدراما العربية، من خلال ما قدمه إخراجا للعديد من المسلسلات التي حازت على إقبال واعجاب جموع المجتمعات العربية من المحيط إلى الخليج، نظرا للإخراج الدرامي المتزن والمتوازن الملتزم الذي قدمه المخرج العبقري "حاتم علي" للدراما العربية وفق ضوابط درامية وقواسم إنسانية مجتمعية اجتمعت عليها كافة المجتمعات العربية بفئاتها الفكرية وأطيافها الثقافية وحتى السياسية والعمرية المختلفة، لتصل للمشاهد العربي في إطار عام عنوانه الخط الدرامي الابتكاري المتجدد الباحث عن العمق الروحي والإنساني الشامل لكافة مفردات الحياة بحكايتها وتفاصيلها المختلفة.
استطاع الراحل المتميز "حاتم علي" أن يخرج أدبيات القضية الفلسطينية بأبجدياتها الكاملة من عنق الزجاجة ضمن إخراج درامي لحقبة زمنية تاريخية جسدت معالمها وفصول روايتها في مسلسل "التغريبة الفلسطينية" الذي حاز على رضا وقبول وحضور كافة المشاهدين من المحيط إلى الخليج، ولا سيما المشاهدين الفلسطيينين تحديدا وعلى وجه الخصوص، نظرا لارتباطهم الوثيق بتفاصيل مسلسل "التغريبة الفلسطينية ومعايشة واقع تفاصيلها في كل يوم، نظرا لتعبيرها عن الواقع الفلسطيني في حقبة زمنية كانت ومضت، ونظرا لأهميتها حاضرا ومستقبلا.
استطاع المخرج الراحل "حاتم علي" أن يطل على كافة الشعوب العربية وصولا إلى المجتمعات العربية بتجسيد معالم القضية الفلسطينية من احتلال الأرض إلى مقاومة المحتل، وإلى مراحل التشرد واللجوء وحكايته الأليمة، إلى انبعاث الأمل من جديد في النفس الوطنية الفلسطينية والعربية أن هناك وجودا فلسطينيا احتلت أرضه وشرد شعبه، ولكنه ورغم الاحتلال وقهر المكان والزمان البعيد عن الوطن، إلا أن بقي الفلسطيني ومازال متمسكا بثوابته الوطنية وعلاقته الانسانية بالأرض وجدان الضمير وحنين الشوق المتلهف على الدوام للعودة وتقرير المصير.
التغريبة الفلسطينية ستبقى على الدوام ومهما تبدلت الأماكن والأوطان الأيقونة الدرامية للقضية التي لا ترفض الانهزام وتحارب الموت والتي تحب الحياة ما استطاعت إليها سبيلا، وستبقى الناقوس الفلسطيني المتفاعل و المستمر في الذاكرة الوطنية الفلسطينية بشفيها السياسي والإنساني، مادام هناك شبل أو زهرة فلسطينية على قيد الحياة.
في رحاب التغريبة الفلسطينية ومخرجها المبدع والإنسان "حاتم علي" نستذكر سيد المكان والحضور الفلسطيني على الدوام، إنه الراحل الكبير محمود درويش، الذي كان لا يخشى ولا يخاف على المستقبل، بل كان يخشى على الماضي ومصادرة الذاكرة والتاريخ الفلسطيني، ولكن جاءت التغريبة الفلسطينية لكي تعطى البعد الوطني للحق الفلسطيني طال الزمن أم قصر، لتكون التغريبة بكافة تفاصيلها عنوانا وطنيا ونضاليا وسياسيا يضاف إلى عناوين عدالة القضية في أيقونة درامية تحلق في عنان الفكرة والإنسان والتمسك بالحق والأرض والأوطان.
إلى روح المبدع والمخرج الجميل والإنسان المثقف النبيل "حاتم علي" وردة وسلام.