تبادلت معظم وسائل الإعلام، العربية والإسرائيلية خصوصاً، الأنباء التي تشير إلى اتصالات مكثفة للترتيب لقمة إقليمية لإعادة إطلاق عملية السلام في الشرق الأوسط بحضور "كافة الأطراف" في إطار استثمار التحرك المصري الأخير الذي نجح في توحيد الصف الفلسطيني، تمهيداً "لمفاوضات مباشرة" بين الجانبين الفلسطيني ـ الإسرائيلي، وإضافة إلى الحراك المصري حول المصالحة الفلسطينية.
اعتمدت هذه الأحاديث على القمة المصرية ـالإسرائيلية العلنية على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي ما كانت لتحدث علنياً، لولا الرهان على أن هناك إمكانية باتت أكثر واقعية لعقد "قمة إقليمية" مع أن هذه الأحاديث تجاهلت عدم إشارة خطاب الرئيس الأميركي ترامب في الجمعية العامة، للملف الفلسطيني الإسرائيلي.
بعض الأحاديث تناولت "مؤتمر إقليمي" وليس قمة إقليمية، بحضور سعودي وأردني ومصري وأميركي، تعقد في شرم الشيخ أو واشنطن، هذا الخريف، وبالتأكيد حسب هذه الوسائل الإعلامية ـ قبل نهاية العام الجاري!
مع ذلك، يبدو الحديث عن مؤتمر أو قمة إقليمية، سابقاً لأوانه، أو أنه غير واقعي كما ترى بعض التحليلات الإسرائيلية تحديداً، فإضافة إلى أن الرئيس الأميركي لم يتناول في كلمته أمام الجمعية العامة، هذا الملف تحديداً، فإن بعض التسريبات التي نشرتها وسائل الإعلام الإسرائيلية أشارت إلى أن ترامب لا يبدي حماساً لقبول عرض الرئيس السيسي بتنظيم مؤتمر أو قمة إقليمية قد يصدر عنه الإعلان عن تحالف جديد في الشرق الأوسط بزعامة أميركية.
مدير عام وزارة الخارجية الأسبق، أوري سافير، فسر ذلك بالقول إن الرئيس الأميركي ما زال متحفظاً على المطالب العربية، باعتماد المبادرة العربية للسلام أساساً لتسوية الصراع على الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي، ويعود ذلك، حسب سافير، إلى إدراك ترامب أن هذه المبادرة غير مقبولة من قبل نتنياهو، الذي ما زال يصر على أن يسبق التعاون الأمني والاعتراف المتبادل والمعلن، أية مباحثات حول إطلاق عملية السلام، بما في ذلك مؤتمر إقليمي لا يتمخض عنه مثل هذا الاعتراف المسبق.
وإذا كان الأمر تشكيكاً في أن تدفع التداعيات الأخيرة على ملف الحراك المصري باتجاه إعادة الوحدة إلى الجسم الوطني الفلسطيني والمصالحة بين فتح وحماس، إلى مؤتمر دولي بأبعاده السياسية المتعارف عليها، هذا التشكيك ينقلب انزياحاً من الأبعاد السياسية إلى تلك الأمنية منها، فقد لاحظ بعض المراقبين الإسرائيليين، أن اجتماع السيسي نتنياهو تركز على أبعاد ذات طبيعة أمنية أكثر من تلك الأبعاد السياسية، ذلك أن السيسي استهدف من هذا الاجتماع العلني، حسب هؤلاء ـ إزالة المخاوف والتحفظات الإسرائيلية جراء إمكانية التوافق الداخلي الفلسطيني وانعكاسه على مختلف القضايا المرتبطة بالصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، خاصة في الجانب الأمني، وأن هذه الوحدة للجسم الفلسطيني، لن تشكل تهديداً أمنياً للدولة العبرية، ولاحظ هؤلاء أن رئيس مجلس الأمن القومي، ورئيس المنطقة الجنوبية في "الشاباك" سابقاً، مائير بن شابات كان بصحبة نتنياهو في اجتماعه مع السيسي، هذا الرجل، حسب هؤلاء، من أكثر المتخصصين بملف حركة حماس في الدولة العبرية، منذ أن كان في منصبه السابق، وكذلك نظراً لموقعه الحالي، الأكثر إلماماً بالبنية الأمنية لحركة حماس سواء على صعيد التسلح أو علاقاتها مع القوى الأخرى المؤثرة في شبه جزيرة سيناء وبنية الأنفاق، بما فيها تلك بين قطاع غزة وجمهورية مصر العربية، ويقال في إطار بعض التسريبات أن شابات أبدى ملاحظات على مخاطر فتح معبر رفح بصورة منتظمة أو شبه منتظمة بين قطاع غزة والقطر المصري، وتلقى تطمينات مصرية كافية بهذا الشأن، كل ذلك لا يمكن التأكد منه تماماً، إلاّ أن هذه الملاحظات يجب أن تظل في حسابات تقييم مثل هذه الاجتماعات، خاصة وأن وسائل الإعلام الإسرائيلية ربما من أكثر الوسائل التي تتدبّر تسريبات متعمدة أو غير متعمدة أحياناً وتلعب دوراً في إثارة النقاش السياسي في معظم الأحيان، علماً أن وسائل الإعلام العربية التي تناولت مسألة القمة الإقليمية استقتها أساساً من تلك الوسائل الإسرائيلية، بعدما أضافت لها بعض الرتوش لكي تبدو وكأنها من مصادرها الخاصة!
وإذا كان البعد السياسي، كما هو البعد الأمني في سياق الحراك الأخير، ينطلق من المصالحة الفلسطينية بالرعاية المصرية الكاملة، فإن السؤال الذي يتوجب طرحه في هذا السياق: ماذا لو لم تتكلل الجهود المصرية بالنجاح، وإذا كان هناك انسداد سياسي قبل هذا الحراك، فهل هذا الفشل مقدمة لإضافة أسباب أخرى لاحتمالات حرب قادمة في اطار البعد الأمني الذي يجري الحديث عنه في سياق هذا الحراك؟!