ننوّه بدايةً، الى أننا في التعقيب على استقالة ناصر القدوة من عضوية مركزية عباس المركزية؛ ننطلق من كونه عضو مركزية، انتُخب في المؤتمر العام السادس. أما انتخابه في ذلك المؤتمر الإقصائي الملفق، الذي سُمي عاماً وسادساً لحركة فتح؛ فهو بلا شرعية وغير صحيح التمثيل، إذ كان الغرض منه تكريس الوضع المزري في حركة فتح، في سياق عملية التجويف وإطاحة تقاليد العمل الوطني، وتعويم الحاشية، وتعميق العجز عن الأعتراض على السياسات الداخلية الشائنة، التي وصلت الى حد معاقبة الشعب. ولم يكن ذلك كله يليق بناصر القدوة ولا ببعض ذوي التاريخ النضالي في اللجنة الجديدة!
وصل ناصر القدوة متأخراً، الى القناعة بأن الانعقاد تحت لافتة المجلس الوطني الفلسطيني ملفق، وبأن عباس يراه ويرى آخرين كُثر موصولة أطيافهم بأطياف زعيمنا المؤسس ياسر عرفات وإخوته المؤسسين؛ بعين البغضاء ومشاعر التبرّم والضيق. ومن السذاجة أن يقال، إن محاولات إثناء ناصر عن الإستقالة، يمكن أن تحمل مقترح تكليفه برئاسة الحكومة. فعباس يعرف أن ناصر ليس دُمية، وأن اعتداده بنفسه، هو الذي جعله يلتزم الصمت أو يتغيب ويراقب، ليرى الى أين ستصل الأمور، بينما عباس يختطف القرار ويعاونه انتهازيون من عديمي المواهب والمناقب، الذين يكره الشعب سحناتهم.
صحيح إن عباس، يراهن على نسيان الناس لمخازي كل مرحلة، وعلى تعودهم على الموجودين. فإن قال إننا وشعبنا تحت الحذاء، يألم الناس يوماً أو يومين، ثم يتطوع ليبرمان أو نتنياهو بلقطة تمثيلية محملّة بالهجوم على رئيس السلطة، فيطفو القول إن عباس مستهدف، وأن "الشرعية" في خطر، ومن يتعرض لها بأي نقد موضوعي، إنما هو يساعد العدو على هدم الهرم، وكأن العدو لا يستطيع إزالة عباس في دقيقة واحدة، لو إنه قد ضاق به فعلاً وليس مستفيداً منه على المستويين التكتيكي والاستراتيجي، باعتبارة المقاول الحصري لتدمير الروح والإنسان والوطنية الفلسطينية!
استقالة ناصر، في معناها، كمن شهد شاهد من أهلها. وقد توافرت للشاهد عناصر للمبادرة لم تتوافر لغيره ممن يحتملون عباس على مضض. فهو يمتلك فضاءً أوسع للحركة، ولا قاعدة عشائرية له في موضع السيطرة على الحكم الفلسطيني لكي يصعب مغادرتها. فمناخات الشعب ــ لا العشيرة ــ التي امتلكها الزعيم ياسر عرفات، ضاقت على الوطنيين، وقد صدَّع عباس الوجدان الشعبي، وصنع في المشهد قضايا مناطقية أو محلية، بعضها خانق للحياة كما في غزة. وبات المنطق والموقف والتوعية وتحشيد الجماهير واستعادة وحدة وجدانها، هي وسائل دفع الأذى في هذه المرحلة السوداء. ونلاحظ أن القلة من الخيّرين الذين اختاروا احتمال عباس مراهنين على شيخوخته وقرب انتهاء دوره، بدل أن يأخذوا بناصية التعاضد، اعتمدوا البغضاء فيما بينهم، لذا لم يكن في وسع أيٍ منهم، الإسهام في تشكيل قوة ضغط على عباس لكي لا يظل يرمي الكيانية الفلسطينية في سفح سلطته ويهينها ويُفرغها من كل حيثياتها الدستورية، ويمارس الكذب والاستهبال، واسترضاء الواهمين والسذج والطامحين الى السراب!
في مدخلات الانعقاد تحت لافتة المجلس الوطني ومخرجاتها، وهي التي جعلها ناصر القدوة سبباً لاستقالته من مركزية عباس، هناك الكثير من المخازي التي ربما لم يراها ناصر كلها. فقد كان نصف عدد الحاضرين، على صعيد المُدخلات، من أصحاب حقوق موضوعية في عضوية المجلس الوطني. لكن النصف الآخر، ممن شاركوا في الانعقاد، كانوا ملفقين وبعضهم أرباب سوابق، بينما المجموعة التي رسمت ونشطت وقررت هي من حاشية عباس وفرقته. الأولون خرجوا من الانعقاد، لكي يوقعوا على عريضة تطالب بإنفاذ القرارات. وهذه لقطة كاريكاتورية، تبعتها سجالات عن قائمة صحيحة بأسماء الموقعين، وقائمة مزورة. فما هو الحُكم، والحالة هذه، على الانعقاد، إن كانت العرائض تتبع الانعقاد وذلك بمعنى أن المجلس لا يحسم وإنما الذي يحسم هو من تُرفع اليه العرائض؟ وكيف يرى الفلسطينيون المجلس برلماناً فلسطينياً يقرر، إن كان المشاركون يقررون، ثم ينقسمون الى فسطاطين، واحد يطالب بتنفيذ القرارات وآخر يستنكف عن المطالبة. هنا يقع اختزال السلطة ومنظمة التحرير ومؤسساتهما، في شخص الرجل الذي يدمر الروح والإنسان والوطنية الفلسطينية!