خيبة أمل الحقتها القوى العظمى في العالم "بإسرائيل", كابوس كانت تتمنى أن ينتهي لكن زادت وطئته, فما توقعته إسرائيل من أمريكا جاء مخيباً لحلمها, وأغرقها في الحيرة بين ما يجب أن يكون وما كان.
إسرائيل توقعت أن تقوم الولايات المتحدة الأمريكية وحليفتيها (بريطانيا, فرنسا) بشن هجومٍ كاسحٍ ومدويٍ على سوريا, مدمرة بذلك المواقع الإيرانية التي تُشكل القلق الأول لها, ومنبهة روسيا وسوريا بضرورة التخلص من السرطان الايراني داخل الأراضي السورية, لكن ما حدث هو أن حجم الضربة كان محدود النطاق وذلك وفقاً لاتفاق أمريكي – روسي (غير معلن), عدا أن الجيش السوري تصدى للهجوم بشكلٍ ناجح.
لاشك أن أمريكا ممثلة في ادارتها مدركة بأن العداء بين إيران وإسرائيل هو مشكلة إسرائيلية قديمة ليست وليدة الظروف الراهنة, وبالتالي فهي غير قادرة على وضعها ضمن نطاق سياستها الخارجية في التعامل مع الازمات الدولية, ذلك لأن العلاقة المتوترة بين الطرفين ترجع إلى طبيعة السياسة الايرانية والتي وضعت مبدءًا لها منذ البداية بمعاداة السامية والصهيونية.
لا ننكر بأن الاهداف الايرانية في سوريا لا تخرج عن رغبة الأولى باصطياد ثروة تمكنها من المضي قدماً في سياستها التوسعية داخل منطقة الشرق الاوسط, لذلك فإن مصالحها موزعة بين شقين (جيوسياسية - جيواستراتيجية), وبالتالي وجدت إيران سوريا أرضاً خصبة لجعل دولة ذات سيادة –تعاني من أزمة- تخضع لسيطرتها, كما فعلت في العراق ولبنان.
وبالتالي فإن الاهداف الايرانية التوسعية هي هاجس لإسرائيل على المستوى الاقليمي, في حين أن روسيا تمثل الهاجس على المستوى الدولي لأمريكا وغيرها من القوى الدولية, حيث بدأت روسيا ترسخ نفسها كقوة عالمية عظمى قادرة على إحداث تغير في التوازن الدولي، وأكدت روسيا ان هذه الضربة ما هي إلا محاولة لإنعاش فكرة "رحيل الأسد" وإنعاش لفكرة الربيع العربي, يُضاف لذلك رغبة دولية بأن تصبح سوريا وليمة مقسمة بين أطراف بحيث تستأثر روسيا على القطعة الأكبر منها.
قلصت هذه العملية التطلعات والآمال الإسرائيلية وجعلتها في حالة من التخبط, وأصبحت أكيدة بأن تزويد سوريا بأسلحة نوعية جديدة جوية هو أمر قريب من قبل روسيا, وبالتالي تضمن لبشار الأسد القدرة العسكرية لمواجهة أي هجوم أخر محتمل, وغير ذلك ستستمر إيران في نشاطها التوسعي وبناء القواعد العسكرية ومصانع الصواريخ والأسلحة.
يمكن القول بأن التواجد الايراني في سوريا أمراً ليس من السهل تقبله بالنسبة لإسرائيل, وهي لن تقبل بأن تقلص روسيا تواجدها داخل سوريا وهذا ما صرح به وزير الدفاع الاسرائيلي(ليبرمان), ومنذ سنوات عديدة اعتبرت إسرائيل التواجد الايراني في المناطق الجنوبية الشرقية في سوريا, هي تهديد لجملة المصالح الاسرائيلية في سوريا عامة وخاصة استمرار ايران في بناء القواعد العسكرية ضدها, حيث ادركت إسرائيل بأن هزيمة المعارضة هو تعزيز لقوة إيران ودافعة قوية لها للاستمرار في مشروعها الذي يعتبر اهم ما جاءت سوريا به من أجل إضافة لسياستها التوسعية.
لاشك بأن ذلك يبرر التخوف الاسرائيلي ويجعل الحديث عن إيران المحطة الأولى في اللقاءات الدولية وعلى رأسها التواصل بين روسيا وإسرائيل حيثُ طالبت الثانية في حالة انتهاء الحرب في سوريا ان تبتعد القوات الايرانية عن حدود هضبة الجولان المحتلة.
استكمالاً لما سبق فإن الضربة الثلاثية جاءت لإثبات أن أمريكا وحليفاتها قادرين على تنفيذ ما يُصرح به ليس إلا, أي لحفظ ماء الوجه بعد فترة طويلة من التهديدات للجيش السوري على خلفية استخدام النظام السلاح الكيماوي ضد المدنيين, وبالتالي هم كانوا غير معنيين بالدخول في مواجهة ضخمة كان من الممكن أن تصعد الأوضاع لحرب بين روسيا وأمريكا في حال لم تلتزم أمريكا بما صرحت به بأنها ستكون ضربة محددة فقط لمواقع صناعة الكيماوي والاسلحة على اعتبار بأن ذلك واجب تتطلبه الانسانية بمنع المجازر الوحشية بحق الشعب، متجاهلين سنوات من الابادة الجماعية والتهجير للشعب السوري, عدا أن روسيا غير مستعدة للدخول في حرب من أجل سوريا.
حيثُ أن روسيا غير راغبة في الدخول بحرب عالمية تكلف الأطراف الدولية الكثير, إلى جانب وجود اختلال في توازن القوى العالمية الأن، لذلك أبقت جسر من التواصل والاتفاق مع أمريكا, حتى لا تتطور الاوضاع بشكل غير مناسب، لكنها على الوجه الأخر، ستواصل دعم النظام السوري بأسلحة نوعية, في حين ستستمر إيران في سياستها التوسعية، فيما سيستمر التوتر بالنسبة لإسرائيل وتبادل العبارات التهديدية بين الطرفين دون تحرك فعلي لحرب في المنطقة.
في الختام كان من المصلحة الامريكية أن تُبقى هذه الهجمات محدودة النطاق لأنها أدركت بأنها غير راغبة بالدخول بالوحل السوري خاصة بعد سنوات ثبت فيها فشل المعارضة المسلحة مقابل النجاحات التي حققها الجيش النظامي, وذلك يظهر لنا النهاية المتوقعة التي ستكون وهي بقاء بشار الأسد في الحكم, ولكن مما لا يضع مجالاً للشك أن الأوقات القادمة ستشهد المنطقة حالة من الغليان بين إسرائيل وإيران خاصة بعد حادثة الطائرة التي قالت إيران بأنها كانت بمهمة استطلاعية في حين قالت إسرائيل بأنها تحمل المتفجرات في محاولة لإشعال الفتيل وبالتالي فإن المرحلة القادمة ستشهد تبادل التهديدات واللكمات بين الطرفين ومن المحتمل أن تتصعد لمواجهة أوسع وذلك يخدم النوايا الإسرائيلية في حالة حدوثها.
ويستبعد البعض أن تكون الضربة من داخل سوريا أو لبنان فلن تخاطر إيران في تدهور الأوضاع بكلا المنطقتين, ومن الممكن أن تكون ضربة لبعض المواضع الإسرائيلية في الخارج, وإن كانت الأحداث غير واضحة الأن ولكن حالة الاستنزاف بدأت بين البلدين.