مع أي حدث عابر ومفاجئ وخطير تعيشه قضيتنا بمفاصلها، ومع كل جُرم وعدوان متجدد يمارسه الاحتلال الإسرائيلي، أجد نفسي في عتاب لا حد له مع شعبي المتواجد بالأراضي المحتلة ولا أستثني قطاع غزة الذي يعتبره بعض السذج بأنه "مُحرر"، لسبب يحسرني حقًا وهو أن همته في عناء بارد وحاد في الانتفاض والنفير الغاضب والزخم، بالرغم من أن شعبنا الفلسطيني يملك سجلاً حافلاً من النضال والكفاح والذي لا يشبه أحد، لكن همته حاليًا تخاصم ذاتها!
ثمة غرابة فيما أشعر به وما أحاول الوقوف عنده، بحجم ما تعرضت وتتعرض له القضية بين سنة وأخرى وبين وقت إلى آخر، لضربات قوية متتالة ومتناوبة بين الأمريكان والإسرائيليين، وكان آخرها الطرح الأمريكي فيما يشتهر عالميًا بـ صفقة القرن، مع رياح غبرة -عربية مكشوفة ومثقلة بالنفاق والخبث. فبات الفلسطيني يستشعرها من بعيد.
ونادرًا ما نرى الشعب بهذه الصورة غير المعتادة لنا ولكل العالم. لأندفع برمشة عين نحو ألغام من الأسئلة. وأول لغم يصطدم به ذهني: هل تأقلم الشعب مع الاحتلال البالع للأرض والبالغ عمره واحد وسبعون عامًا ؟، بل أقول مع الواقع المفروض لعدم تقبلي كلمة "تأقلم أو تعايش"، أم أنها مجرد حالة من الإحباط واليأس لفقدانه الأمل الذي كان ينعشه ويقوده إلى حين أن يتحرر ويستقل ويبني دولته بعاصمتها القدس.
وسأقفز عن الأول وأختبر التالي: هل الشعب فقد ثقته بقيادته التي اختارت المقاومة الشعبية التي أراها غير المجدية بمواجهة الاحتلال على حساب المقاومة المسلحة التي كانت بمراحل سابقة، فتلك القيادة ظهرت بملامح الفشل والإخفاق السياسي؟ كما يقول منتقدوها. وسؤال آخر مُزاحم لما قبله: هل تقوض السلطة الفلسطينية أي حراك قد يقود الشعب إلى انتفاضة شاملة بمفهوم انتفاضتي الأولى والثانية، رغبةً في اختزال ردات الفعل على المفارق ونقاط التماس مع الاحتلال دون لهب حارق ؟!
وسأزج الفصائل بسطور انساقت على وتر السطر السالف، وأتساءل: هل السلوك الحزبي المميت والاختلاف الاعتقادي والفكري والتعصب الحزبي الذي بلغ ضراوته، والصراع على السلطة الظاهر اليوم، جمد الروح الوطنية والنضالية لدى الشعب ؟. إذا كانت الروح بهذه الحالة، فكيف ليجسد بارد لهذا الحد أن يصمد أكثر وهو ممزق داخليًا. وأخشى أن يطول التوقيت، وأن يبتعد عن الحماوة.
حسنًا، لن أجرب الخامس ولا السادس وسأتلاشى ما بعده، لسبب أنني شهادت "لقطة" وثقتها إحدى الكاميرات قبل يومين كان بطلها مجموعة من الشباب الثائرين في الخليل حين طلب منهم جنود الاحتلال "استراحة" عشرة دقائق مع وعود بالانسحاب من المكان، من شدة الحجارة التي انهالت على الجنود كالأمطار دون توقف، فالمشهد كان لافتًا.
إن اللقطة الزاحفة خلف قلمي بمهمة دفن المزيد من الأسئلة المخيفة للهمة، أمانة لا ممالقة، "يتيمة" ولا نشوة فيها ترمق الروح الوطنية الغائبة، وإذا كنتُ مخطئًا وجاء كلامي عكس ما لمسته، وأن الشعب هادئ بشراسة مخبأة الآن ويسعى بصمت تدريجيًا لإعادة الحماوة الطبيعية لجسده، ويجهز لضربة مثل الإعصار ليكسر بها كل الأسوار العتيلة، وأنه لا يمكن أن يقبل بأن يصبح مثل القشة تحت شدة الأمطار الهاطلة طوال المواسم، لحظتها سأغرق في بحر من الإحراج عما قلته، وأمنيتي الغرق أو أن يبلعني ذاك الإعصار. فأنا طواق لكليهما، ولنا حديث عن همة شعبي العالية التي أؤمن بها ما دمت أتنفس