تتواصل هذه الأيام لقاءات المصالحة المجتمعية في مختلف مناطق قطاع غزة بنجاح لافت، وسط تعاون كبير ومقدر من عائلات غزة، التي تضررت من أحداث الانقسام الأليم، الذي بدأ قبل عشرة أعوام مطلع عام 2006م. وتسير لقاءات المصالحة المجتمعية قدمًا، في ظل ابتهاج الكل الفلسطيني بانطلاق هذه المجالس التي تجمع العائلات الفلسطينية على الخير والصفح والعفو والتسامح، وطي صفحة الماضي وإنهاء الانقسام الفلسطيني بلا رجعة.
لقاءات المصالحة المجتمعية المتواصلة تحظى باهتمام من جميع الفصائل الفلسطينية، وبجهود كبيرة من العلماء ورجال العشائر والإصلاح ورجال الخير في مجتمعنا الفلسطيني، حقًّا إنها جهود عظيمة ومشرفة تبذل منذ سنوات لتضميد الجراحات وتحقيق المصالحة الاجتماعية بين العائلات الفلسطينية الأصيلة التي راح أبناؤها في أحداث الاقتتال الداخلي. هذه الأيام مهيأة أكثر من غيرها للمضي قدمًا في ملف إنهاء الانقسام، وطي الصفحات الأليمة في تاريخ شعبنا الفلسطيني، حيث فقدنا الكثير من الفرص من أجل إنهاء الانقسام، واجتمع الفلسطينيون في الكثير من البلدان، وشهد ملف المصالحة وإنهاء الانقسام الكثير من الوساطات، ولكن لم تتهيأ الظروف والمناخات حتى تشكيل حكومة الوفاق الفلسطينية في صيف عام 2014م، وذلك من أجل تهيئة المناخات وتذليل العقبات أمام ملفات المصالحة وإنهاء الانقسام.
وللتذكير إن لقاءات المصالحة المجتمعية بين العوائل في غزة التي تضررت من أحداث الانقسام تعمل منذ سنوات بناء على اتفاق القاهرة الموقع عام 2011م، الذي حدد شروط عمل لجنة المصالحة الاجتماعية، وتمر المصالحة حسب ما أفاد القائمون عليها بثلاث مراحل: الأولى تتعلق بالشهداء وأحداث الانقسام، ثم مرحلة تعويض الإصابات والأضرار الجسدية، ثم تعويض الأضرار المادية والعينية والممتلكات الخاصة، وتنص وثيقة المصالحة على أن هذه العائلات استجابت وقبلت المصالحة حسب ما توافقت عليه، وذلك لإنهاء أية خصومة، وحسم الخلافات والنزاعات المترتبة على ما لحق بهم من ضرر خلال أحداث الانقسام. وتقول وثيقة المصالحة المجتمعية التي توقع: "إن هذه العائلات تصرح بأنها أسقطت وتنازلت بموجب الاتفاق عن حقوقها الشرعية والقانونية والعرفية المترتبة لها على المستويين المحلي والدولي، وإن الطرفين يقران بأن هذا الاتفاق بات نهائيًّا ولا رجوع عنه".
إن لقاءات المصالحة المجتمعية بين العائلات في غزة تؤسس لمرحلة جديدة من المحبة والتسامح والصفح والعفو، من أجل الحفاظ على السلم الأهلي والنسيج المجتمعي والترابط بين العائلات في القطاع، وتعزز قيم التكافل وأواصر الرحمة والمحبة بين الناس، وهذه المجالس ركيزة أساسية في العمل الوطني الفلسطيني في المرحلة القادمة، وهي جهود وطنية مجتمعية بناءة ترمي إلى إصلاح الواقع الفلسطيني الداخلي بإرساء مبادئ التكاتف والتكافل والمحبة، وإنهاء الشحناء والبغضاء بين الناس، والتفرغ لمواجهة المخططات الصهيونية التي تستهدف قضينا الفلسطينية وتستهدف مشروعنا التحرر الوطني.
ومن الرسائل الهامة التي تحملها جهود المصالحة المجتمعية هي تأكيد الحفاظ على الثوابت والمبادئ الفلسطينية، وتجديد الدعوة لتوحيد الصف والكلمة والخطاب الفلسطينية، وذلك للتفرغ لهمومنا الفلسطينية، والتفرغ للمعركة الكبيرة والصراع مع الاحتلال الفلسطيني. لم يتبق ملفات عالقة في طريق الإنهاء الانقسام، لذلك يجب على الكل الفلسطيني في الداخل والخارج وأصدقاء الشعب الفلسطيني أن يقفوا بجانب أطراف المصالحة، لدعمهم ومساندتهم وتمكينهم من تجاوز هذه المرحلة الدقيقة والصعبة في تاريخ القضية الفلسطينية. لقاءات المصالحة المجتمعية تستحق من الكل الفلسطيني التقدير والدعم والمساندة، وتبعث رسالة هامة إلى حركتي حماس وفتح قطبي العمل السياسي الفلسطيني أن سيروا قدمًا في ملف المصالحة وإنهاء الانقسام، وهي تسهل الطريق من أجل عودة اللحمة لأبناء شعبنا الفلسطيني، وإنهاء التناحر والخلافات الفلسطينية الداخلية، والانطلاق قدمًا في مشروع تحرير أرضنا ومقدستنا وبناء دولتنا الفلسطينية.
إلى الملتقى،،