كثير ما أتردد في كتابة مقال يتناول المرأة الفلسطينية بشكل منفرد .. بعد أن كتبت عنها الكثير وعملت في مؤسساتها .. ومع ذلك لا أتردد في تصويرها في العديد من الشخصيات ضمن قصصي .. وها هي رسالة الكترونية من فتاة شابة تطلب مني مقالا حول نضال المرأة الفلسطينية بأربعمائة كلمة فقط .. لأحد الصحف السعودية .. لم أستطع أن أقول لها لا أريد .. بل وتشجيعا لنشاطها وتحفيزها نحو مسيرتها في الكتابة .. قلت لها نعم سأكتب ولكن بمعياري المقال لا يقل عن ستمائة وخمسين كلمة على الأقل ..

لماذا ابتعدت عن الخوض في نقاش قضايا المرأة بشكل عام .. والمرأة الفلسطينية بشكل خاص .. والحديث حول نضالاتها وتحررها .. لأني وبوازع داخلي أردت أن أقترب من نضالها أكثر في جنس كتابي آخر هو القصة القصيرة ..

عند تشخيص مستويات النجاح التي توصلت إليها المرأة الفلسطينية وتفنيدها .. بعد نضالات كبيرة .. يجب أن نتوقف عند الكثير .. مما يعترض منحنى التفكير اتجاه الأصوب .. في دفعها نحو التحرر والاستقلال .. في الإطار الوطني وفي إطارها الشخصي كامرأة ..

المرأة الفلسطينية قدمت ومازالت تقدم العديد من نماذج الصمود والنضال والمثابرة .. من أجل واقع أفضل .. يحفظها كامرأة فلسطينية في صيغة مجتمع أكثر وعيا وإدراكا لحقوقه ..

وهنا لابد من الحديث عن نضالاتها ومسيرتها في مجالات عدة .. هي ناضلت في الجانب السياسي والوطني والاقتصادي والاجتماعي والثقافي .. ما بين مفارقات ليست بالهيّنة .. تجمع بين استمرار الثورة وإقامة الدولة الفلسطينية ذات الحدود الدائمة لا المؤقتة ... وإزالة الاحتلال السياسي الفكري الثقافي .. والتحولات التي تصوغ كينونة فلسطينية ما بين الانتفاضات وصياغة اتفاق سلام مرحلي باتجاه حكم ذاتي فلسطيني .. المعنون بمبادئ أوسلو ... فكانت ضمن الأنشطة الجماهيرية الشعبوية .. جنبا إلى جنب مع الرجل وتطورت حتى كان لها .. جمعياتها الخيرية والإغاثية .. وأصبح لها تمثيلا في التنظيمات السياسية .. وحضورا في البرلمان ... ومن ثم في المؤسسات السيادية كالوزارات حتى وإن كان بأعداد قليلة .. ولا ننسى مبدأ التمييز الإيجابي الذي حفظ لها كوته نسوية ضمن التمثيل النسبي الكامل لا الدوائر .. والتي استخدمت في مجالس البلدية والمجلس التشريعي في الانتخابات الأخيرة .. التي أقيمت على الأرض الفلسطينية في الداخل .. في الضفة والقطاع ..

تتواجد المرأة الفلسطينية في المؤسسات الأهلية غير الحكومية .. بعد توسّع عمل مؤسسات المجتمع المدني موازاة لمؤسسات العمل الحكومي .. والتي تحمل على كاهل برامجها توعية المرأة الفلسطينية وتمكينها .. وزيادة مشاركتها المجتمعية والسياسية ومحاربة العنف ضد المرأة.. والمطالبة بإعادة صياغة القوانين .. بما يتضمن مفهوم النوع الاجتماعي .. ويتجه بالمرأة نحو العدالة الاجتماعية كإنسان ..

إعادة صياغة السياسات الحكومية وغير الحكومية والقوانين والإجراءات واللوائح بما يطوّر من مفهوم وجود المرأة كشريك يساوي الرجل في الحقوق والواجبات .. إن كان في مراكز المدن أو الأرياف أو المخيمات أو المناطق المهمشة المتاخمة للحدود مع الاحتلال .. هي أولية العمل التنموي .. الذي يستهدف النهوض بالمجتمع كوحدة واحدة .. وهنا أعود لفقرتي الأولى ... لماذا اتجهت نحو الأدب أكثر .. لربما حصرت المرأة نضالها نحو استقلالها كامرأة .... في كنتونات نسوية لم تستطيع أن تتمدد جماهيريا وشعبيا .. ورغم كل الإنجازات والنجاحات والعمل المضنى التي قامت به .. لم تستطع من اختراق كثير من الشرائح والفئات المجتمعية المقصودة في التنمية الحقيقية .. والتي برأيي هم إما بمراكز المدن أو بأطرافها .. أو في عمق المخيمات الفلسطينية .. مما يجعل الصيغة التنموية مختلة الإنتاج الفكري الملائم لتطوير المجتمعات ..

لربما التغيير الاجتماعي هو طويل .. ويحتاج لزمن ليس بالقصير حتى تتضح مظاهره .. ولكن خلخلة أعراف وتقاليد وفهم ديني تداوله الناس واجتمعوا حوله لفترات طويلة .. يحتاج إلى صياغة مؤسسات ذات عمل شعبوي .. يقترب من تطور الحاجة اليومية .. لهذه الفئات بما يعكس أساليب واتجاهات تفكيرها .. وما على هذه المؤسسات إلا أن تمتلك تغذية راجعة مباشرة .. في تجديد وصياغة سياساتها المتغيرة .. أول بأول في ظل مجتمع لا يمتلك الحد الأدنى .. من الاستقرار اليومي في الأهداف .. مما يجعل العمل التنموي والنضال .. نحو حقوق الأفراد متغير الوجهة والأهداف..

كل بما لا ينفصل عن النضال المجتمعي والشعبي نحو الاستقلال .. والحرية كشعب فلسطيني .. وهنا غالبا ما كان ومازال يحدث .. هو تعارض بين التفات المرأة لذاتها المنقوصة .. في صياغة القوانين والسياسات .. أو تقدمها نحو النضال المجتمعي من أجل إقامة الدولة والاستقلال .. أعتقد على المرأة أن تستمر في صياغة ذاتها ووجودها .. ضمن العام الشعبي المناضل .. بمعنى التقدم نحو الاستقلال لن يكون دون ذاتها المستقلة ...

برامج تمكين المرأة .. تتقدم نحو تطوير الحالة الاقتصادية للمرأة الفلسطينية .. بما يضمن قدرتها على المطالبة بالاستقلال والمساواة ..

المرأة الفلسطينية يزداد عام بعد عام نسبة تعليمها وعملها .. ونطالب بزيادة أكبر لها .. في سوق العمل وبأجور عادلة .. ويجدر الإشارة أنها أصبحت تتواجد بعدد أكبر في مؤسسات القطاع الخاص وشركاته .. التي تأخذ توسعا ذو شكل مختلف في العقد الأخير .. وهذا بحد ذاته يتطلّب دراسة دور هذا القطاع ومشاركته في تطوير مجتمعه باختلاف فئاته وشرائحه .. والمرأة هي شريك وهدف .. في هذا التطوير .. هذه الزيادة تساهم بنهضة المجتمع الفلسطيني ككل .. ومن الطبيعي أن ينعكس ذلك على الحالة الفكرية والثقافية .. من خلال مشاركة المرأة في العمل .. وما ينعكس في شخصيتها من جوانب مختلفة .. مما يجعلها تنظر إلى المجتمع بطريقة أكثر عمقا وتطورا وحداثة ..

ما نريده أن نخرج المرأة .. عن النظرة التقليدية في تطويرها لذاتها .. ليس فقط باجتياز مراحل التعليم والعمل .. وإنما أن تعبر إلى كل بحار التثقيف والتحليق في فكر أشمل .. لماذا أيضا ذكرت الكنتونات النسوية .. لأنه وعلى مدار الأعوام الماضية ... ثبت أن صوت المرأة يرتد إلى نفسها .. وينحصر مع مثيلاتها من النساء الناشطات .. لكنه لا يصل للرجل والأكثر لا يصل إلى المجتمع..

لذا على المؤسسات أن تطالب بصيغة تنموية مجتمعية .. ليست بالنسوية فقط .. بل تتوسع لتكون من كلا الجنسين ومن كل المضطهدين مجتمعيا .. في حقوقهم وهويتهم وتمثيلهم .. من الأفضل أن تتميز المرأة في تخصصها بين الرجال .. ويلمع اسمها ونضالها من داخل المجموعة الواحدة.. ويتراكم العمل ...

لربما هناك من سيقول .. أننا نحتاج لمجموعات ضاغطة .. تضمن غاية هذه النضالات .. الرد هو أن التطور الفردي للجنسين داخل ذات المجموعة .. لهو خير دليل على مساواة المرأة بنجاح الرجل ..

المرأة الفلسطينية .. منذ النكبة وما بعدها .. ودورها يتطور والمرحلة .. من العمل باللجان والإغاثة والتضامن .. إلى المشاركة في الكفاح وحمل السلاح .. من ثم في نقاش السياسة والفكر .. لكنها إلى الآن .. ليست هي من تنشئ فكرة سياسية أو اجتماعية .. بشكل منفرد أو بمشاركة الرجل .. هو توافق على فكرة ما .. بعد أن كانت هي أحد مقومات نجاحها أو فشلها لا غير..

في غمرة هذه النضالات .. لا ننسى المرأة في مخيمات الشتات والمنافي .. ولها من الحضور عبر التاريخ وإلى الآن ما هو لافت للأنظار ..في كل ميادين العلم والتعلم والعمل والكفاح النضالي والثقافي .. إلا أنه في ظل الدعاية والإعلام الممنهج واللوبيات الضاغطة من أجل تصديق رواية الاحتلال الإسرائيلي والتعاطف معها .. في أكثر دول العالم .. كم تحتاج من الدعم والسياسات والبرامج والتمويل لإثبات الذات والوجود .. وكم من المفاهيم التي عليها أن تتطور نحوها .. من أجل الانخراط في المجتمعات التي تقيم بها .. بما يجعلها قادرة على إثبات هويتها وإدماج موروثها .. بشكل حضاري .. يتقدم عن كل ما هو بالي .. وينظر بعلمية إلى كل الظواهر والمتغيرات ..

المرأة الفلسطينية استطاعت أن تكون رافعة وحاضنة للكفاح الوطني الفلسطيني .. منذ أن فلحت الأرض وزرعتها .. حتى تقدمت لتكون جزءا أصيلا من كل المهن المجتمعية .. وركيزة ضرورية في كل عمليات الإدارة ومنهجيات القانون والمساءلة .. وكانت لونا واضحا في اللوحات الفنية والمطرزات الشعرية والفلكلورية والأدبية .. ووجها يزين الشاشات بقدر يحترم من الحديث والثقافة .. ما أن تقلصت مساحات الأراضي المزروعة وتصادر حقها كمزارعة كما تصادر حق الرجل في زراعة أرضه .. بعد تمدد الاستيطان وتجريف الأراضي وإقامة الجدران العازلة وقصف الأراضي والمناطق المأهولة بالسكان .. وتطور الآلة والتكنولوجيا العسكرية الاسرائيلية الهدامة .. حتى أنحسر دورها أكثر .. وتراجع وزنها بدءا من ضعف تواصلها مع الأرض .. وتشرذمت المعاني .. وتمددت قيم الانفصال والانقسام والتشتت الفكري والذهني .. والعودة إلى أصوليات الفكر والانعزال .. لكنها حتما ستهدم كل الجدران العازلة وأنفاق التدمير الذاتي .. حتى تصل إلى ذاتها وكينونتها المستقلة التي تبدأ بعروبتها ووطنيتها وتحمل من التاريخ تراكم كل الهويات الثقافية في معنى واحد لا غير هو حرية انسان على أرضه ..