ساهمت الأوضاع الاقتصادية الكارثية في قطاع غزة، والمتمثلة في انعدام توفّر السيولة النقدية بين المواطنين ، إلى جانب انعدام القدرة الشرائية للمواطنين , أدت إلى ارتفاع حاد في حجم الشيكات المرتجعة.

وانتشرت ظاهرة الشيكات المرتجعة في قطاع غزة خلال السنوات الأخيرة، وألقت بأثارها السلبية على حركة دوران رأس المال، وأحدثت ارباكاً كبير في كافة الأنشطة الاقتصادية.

وتعتبر ظاهرة الشيكات المرتجعة خطيرة جداً، حيث تؤدي إلى تباطؤ في النمو الاقتصادي وتعميق في الأزمة الاقتصادية بسبب عدم تسديدها في مواعيدها، وبالتالي فإن عدم تحصيل قيمتها في تواريخ استحقاقها يسبب إرباك في التدفقات النقدية وعدم تمكن أصحاب الشيكات من الإيفاء بالتزاماتها في مواعيدها.

ويوجد صنفين من الشيكات المرتجعة الأول نتيجة تعثر مالي حقيقي بسبب الأوضاع الاقتصادية ، والآخر بسبب النصب والاحتيال، حيث أن البعض يصدر شيكات من دفاتر قديمة ومن حسابات موقوفة، هذا بالإضافة إلى ظاهرة "التكييش" والتي تقوم فكرتها على لجوء العديد من المواطنين إلى شراء سلعة معينة كالسيارات أو الأجهزة الكهربائية والالكترونية والجوالات بالتقسيط عن طريق الشيكات ، ومن ثم بيعها لذات الشركة أو لشركة أخرى أو لأشخاص ليحصلوا بذلك على سيولة نقدية ويكون سعر البيع النقدي أقل من السعر الحقيقي.

وتحمل هذه الظاهرة مخاطر كبيرة على الاقتصاد الفلسطيني في قطاع غزة، وتؤدي إلى تعثر المواطنين وإفلاس التجار وتسببت في زيادة أعداد الشيكات المرتجعة نظراً لعدم قدرة أصحابها على التسديد بسبب الديون المتراكمة والخسائر في بيع البضائع بسبب التكييش.

ويأتي هذا الارتفاع في الشيكات المرتجعة بالرغم من الإجراءات الصارمة التي اتبعتها سلطة النقد الفلسطينية خلال السنوات الأخيرة للحد من هذه الظاهرة، و منها وضع عمولة كبيرة على الشيكات المرتجعة، وتصنيف صاحب الحساب الذي يرجع له أكثر من شيك في خانة القائمة السوداء بحيث لا يصدر له أي دفاتر شيكات.

وبحسب البيانات الصادرة من سلطة النقد الفلسطينية، بلغ إجمالي الشيكات المرتجعة في قطاع غزة خلال عام 2017 نحو 112 مليون دولار وهي تمثل ما نسبته 9.7% من إجمالي الشيكات المرتجعة في فلسطين، مقابل 62 مليون دولار إجمالي الشيكات المرتجعة خلال عام 2016 , 37 مليون دولار إجمالي الشيكات المرتجعة في عام 2015.

ولأول مرة يتجاوز حجم الشيكات المرتجعة حاجز المليار دولار على مستوى فلسطين حيث بلغ إجمالي الشيكات المرتجعة في فلسطين نحو 1.154 مليار دولار خلال عام 2017 , وبلغ عددها 735,479 شيك , مقابل 775 مليون دولار خلال عام 2016 و670 مليون دولار خلال عام 2015.

وبعد هذه الأرقام الصادمة فإنني أدق ناقوس الخطر حيث أن حجم الشيكات المرتجعة غير طبيعي بالنسبة للاقتصاد الفلسطيني، وهو دليل واضح وقاطع على حالة الانهيار الاقتصادي الذي وصل له اقتصاد قطاع غزة.

لذا نأمل بتدخل عاجل وسريع من سلطة النقد الفلسطينية لبحث إمكانية تأجيل كافة مستحقات القروض ولكافة الفئات لمده ستة أشهر على الأقل، وذلك بهدف توفير السيولة النقدية المعدومة في أسواق قطاع غزة حتى لاتتفاقم الأوضاع الاقتصادية والمعيشية حيث أن قطاع غزة دخل إلى منحنى خطير جداً ووصل إلى الرمق الأخير من حاله الموت السريري.