كان ولا زال العلم الفلسطيني رمز الصمود والقوة للشعب الفلسطيني, حاملاً لواءه في كل المراحل والحالات، مدافعاً عن حقه في أرضه, فهو ليس مجرد ألوان وقماش، بل هو المعنى الحقيقي لنضال القرون.

فوجئ الاحتلال الاسرائيلي السبت الماضي، بعملية نوعية على حدود قطاع غزة الجنوبية، فهو لم يكن لديه احتمال بمواجهة كهذه حيث أن أقصى أنواع المواجهة في السنوات التي تلت عدوان 2014، كانت (اشتباك محدود، إطلاق صواريخ) لكن أن تتطور الأمور بزرع عبوة واستهداف دورية لوحدة سلاح الهندسة فهذا الأمر لم تعهده دولة الاحتلال منذ انتفاضة "الأقصى" المسلحة.

عملية تفجير العبوة التي أصابت أربعة من جنود الاحتلال, والتي وضعت بطابع فلسطيني مقاوم, أعادت تقاليد المقاومة المسلحة المعهودة، حيثُ أعتبرت الأخطر في السنوات الثلاث الأخيرة.

تصريحات التهديد والوعيد التي يطلقها قادة الاحتلال باستمرار، تصدرها هذه المرة وزير الجيش "أفيغدور ليبرمان" الذي تصادف توقيت العملية مع توليه منصب رئيس الحكومة بالإنابة نظراً لسفر نتنياهو خارج البلاد، حيث توعد ليبرمان باستهداف منفذي عملية "العلم"، معتبرا أنها ستنتهي حال الوصول لهم.

العملية التي وصفها الإعلام العبري بأنها هزت أركان "إسرائيل" وخصوصاً منظومته الأمنية، جعلت الجيش يستنفر بكل أجهزته وأفراده تماشياً مع تهديدات قادة الاحتلال بالرد عليها.

"إسرائيل" حملت المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حركة "حماس" المسؤولية المباشرة عن العملية، واعتبرت أنها محاولة ايرانية لتحقيق رؤية على الجبهات الثلاث (سوريا ولبنان وقطاع غزة).

الرد الاسرائيلي على العملية كان سريعاً, حيث قامت طائرات الاحتلال باستهداف عدداً من مواقع المقاومة كرد فعل على حادثة العبوة, والتهديد في حال تم التفكير بتكرارها من جانب, ولتحقيق الاستقرار الامني في بناء الجدار الارضي للقضاء على انفاق المقاومة التي تعتبره" اسرائيل" سلاح استراتيجي لا بد من القضاء عليه، من جانب أخر.

يمكن القول بأن اتباع قوات الاحتلال لأسلوب الرد السريع والمحدود في القطاع، هو محاولة منها لاحتواء الوضع، لأن الرغبة الاسرائيلية في خوض مواجهة في ظل تهديد الشمال (الذي يعد أكثر خطورة بالنسبة لها الأن)، بالإضافة للأوضاع الانسانية في قطاع غزة، تجعلها غير قادرة على التقدم نحو المواجهة.

لا شك بأن المقاومة الفلسطينية أثبتت قدرتها على الدفع بأدواتها النضالية البسيطة, حيثُ استخدمت في الآونة الأخيرة مضادات الطائرات، ولا تُعتبر هذه المرة الاولى لها باستخدامها ولطالما لمحت "كتائب القسام" بامتلاكها المضادات التي تُحمل على الكتف, هذا يجعل الاحتلال في حالة من الإدراك التام بأن المعركة القادمة لن تكون كسابقاتها أبداً, بل ستكون الأكثر حدية.

كما أن الاحتلال لا يملك أهداف استراتيجية محددة للتعامل معها تجاه غزة, عوضاً بأن هذا يتعارض مع ادعاءات قادة الاحتلال بأن الحرب القادمة مع غزة ستكون الاخيرة, حيث يرى قادة الاحتلال أن الاتجاه لحرب على القطاع سيحل معضلة غزة المتفاقمة ويحقق لها هدفاً سياسياً وبالتالي لن ترضى بذلك.

ويُضاف لأسباب استبعاد فكرة الحرب على القطاع بأن الاوضاع داخل دولة الاحتلال غير مستقرة، وعلى رأسها تهم الفساد التي يواجهها رئيس الحكومة نتنياهو, تجعل أي محاولة منه لحرب على غزة بمثابة بطاقة لحرف الانظار عن مشاكله الداخلية.

لا شك أن العملية وسعت الانظار الاسرائيلية لاتخاذ أقصى درجات الحماية, وسيجعلها تتخذ إجراءات أكثر صرامة في حال واجهت المتظاهرين على الحدود، حيث أعلن الجيش أنه بصدد إعادة النظر في طرق وأساليب التعامل مع احتجاجات ومظاهرات الفلسطينيين على الشريط الحدودي لقطاع غزة، والتي اتسعت وتنظم أسبوعيا منذ إعلان الرئيس الاميركي دونالد ترامب، القدس عاصمة للاحتلال الإسرائيلي.