قد توضع أحيانًا في موقف لا تُحسد عليه، وتكون بمنزلة الصديق لمتخاصمين، أي لطرفين لا يلتقيان ولا يجتمعان، فهما كطرفي المغناطيس أحدهما موجب، والآخر سالب، لمجرد أنهما يتنافران ولا يتجاذبان في الحديث، فلا يطيقان بعضهما أبداً ويختلفان في أغلب الأمور.
ويرى مازن عوض أنه يتولى مهمة التقريب بين وجهات نظر صديقيه، فما إن يجتمعا مصادفة إلا ويقرر أحدهما المغادرة والانسحاب على الفور خوفًا من أن تنشب مشكلة بينهما، لا سيما أنه لا يوجد أي خلاف يذكر قد حصل مع أي منهما.
وقال عوض: "على اعتبار أنهما صديقان عزيزان، فلا أريد أن أخسر واحداً منهما وبالذات أن كليهما شخصيته طيبة، ومهمتي هنا أن أقرب بينهما".
أما رائد محمد (26 عاما) هو صديق لصديقين لا يتقبلان بعضها بكافة الأحوال، ودائمًا يتحدثان عن بعضها بالسوء، وما إن يلتقيا مصادفة إلا ويبدأ كل واحد منهم بالحديث عن أمر يستفز الآخر، وإذا ما طُرحت قضية للنقاش، فكلاهما لن يتورع عن تبني وجهة نظر عكس الآخر.
وأضاف: "أحاول قدر الإمكان تهدئة النفوس بينهما، والتقريب بين وجهات النظر للطرفين وتهدئة النفوس؛ ولا أنكر أن مسألة التقريب بينهما مهمة صعبة للغاية، لأنه يتطلب مني أن أتحفظ على ذكر إيجابيات ومحاسن أحدهما أمام الآخر، مما قد يؤدي إلى تعقيد الموقف".
تأليف القلوب
ومن جهته، أوضح الأخصائي النفسي زهير ملاخة أن الصداقة تُبنى على انسجام بين طرفٍ وآخر، لتغدو لديهما مصالح مشتركة، لذلك لا بد من أن يكون للصديق المشترك دور ايجابي في تقريب وجهات النظر وإنهاء الخلاف القائم بوسائل متعددة.
وقال: "من هذه الوسائل نقل صورة إيجابية عن نظرة كل منهما للآخر، وعرض القواسم المشتركة بينهما، وبيان الإثم المترتب عن القطيعة، وبالتالي تُؤلّف القلوب، ويتجاوزان أي خلاف بينهما".
وأضاف ملاخة: "كما عليه مراعاة بعض الخطوط الحمراء، ومنها شحن نفسيهما على بعضهما سواء بهدف المزح أو التسلية أو زرع الغيرة بينهما، بمدح الآخر والإكثار من ذكر شمائله وإنجازاته أمام الطرف الثاني، أو ذكر كلام عنه يزيد من الخصام، وهذا ما قد يفعله الكثير بغرض التسلية بإثارة الغيرة والحرقة بالقلب، وبالتالي تزيد الكراهية".
وبين أنه لا بد أن يكون معول خير يؤلف القلوب ويرققها ويجمعهما دومًا على الخير، يبصرهما بما يجب أن يكونا عليه من ألفة ومحبة، وضرورة أن يريا بعضهما من الجانب المضيء وألا يجعلا خلافًا ما ينسيهما كل خير بينهما.
ونوه ملاخة إلى أنه يجب الحرص على ألا يستحضر في علاقته معهما ما يثير أو يعزز أي شحناء بينهما، كما عليه أن يكون معتدلًا في علاقته معهما بحيث لا يسمح لنفسه بأن يكون في موضع حساباتهما، ويتحول إلى جزء من لوم كل منهما.
وتابع حديثه: "هذا الأسلوب لا شك أن له أثرا طيبا في القلب، وفي حث الصديقين على مراجعة ما هما عليه من خصومة وقطيعة، فيكون للصديق المشترك دور إيجابي فاعل في إعادة العلاقة، مع الاعتدال وعدم الانحياز".
ونصح ملاخة صديق المتخاصمين بأن يقف على مسافات متقاربة منهما، ولا شك أن استمرار حالة الشحناء تؤثر على الصديق المشترك، وفشل محاولات تقريب وجهات النظر.
ويفضل لهذا الصديق الإبقاء على العلاقة السطحية معهما، في حال سيكون محل شك أو شبهة أو سببا لمشكلة قد تحدث، وخاصة إذا كانت النفوس بينهما مشحونة، وقد يلجأ البعض لقطع العلاقات معهما بالتدريج حتى لا يطوله شيء من القيل أو القال أو يكون جزءا من المشكلة.
وبين أن البعض قد يفقد الثقة بأصدقائه عندما يرى نموذجًا من أصدقائه "إذا خاصم فجر"، وبالتالي الخصومة بين الأصدقاء إذا خرجت للعلن بشكلٍ ما وتجرّدت من كل الضوابط كان لها أثر صعب على النفس.
المصدر : صحيفة فلسطين