ثلاثة أيام
وأضاف الحاج أبو فؤاد:" بعد ثلاثة أيام ذهبتُ إلى منزل رجلٍ صاحب مكانة وهيبة يُدعى "أبو محمد" واصطحبته إلى بيت عامل النظافة(..) دخلنا للبيت ورحبّ بنا، وبدت على وجهه ملامح الخجل والتوتر"، حتى بادرنا بالقول:" أعلم أن صاحب المنزل أرسلكم لي لتطالبوني بالإيجار الذي لم أدفعه منذ ثلاثة شهور، ووضعي المادي سيئ لا يسمح لي أن أدفعه في الوقت الحالي..". قاطعته – والحديث لأبي فؤاد- وبدأت أسرد له ما حصل، وأن أخيه سيقدم له الأموال (..) اعتلت وجهه ملامح الغضب، وبدأ بالصراخ وهو يردد أنه لا يريد من أخيه صدقة أو زكاة فطر، ثم أجهش بالبكاء، و بدأ يقول: " أنا لا أريد منه شيء، ظلمني كثيرًا، لن أسامحه، قمت بتغيير اسم عائلتي حتى لا يعرفني أحد، و أعمل في البلدية وأحيانا لا أجد قوت يومي..". ويكمل الحاج أبو فؤاد:" كان يصّر الشاب على قوله أن أخاه رجل كاذب ظلمه وكان السبب في معاناته، وعندما قلنا أنه سيحضر أخيه الى بيته ليعتذر له عن كل ذنوبه، وأنه يطلب المسامحة، ثار غضبا وطلب منا مغادرة منزله، لكننا التمسنا له العذر لما كان فيه من صدمة". خلف الباب كانت تقف زوجة عامل النظافة، ومن موقعها حاوت تهدئته وطمأنته من جانب أخيه لعله يكون صادقاً، ونحن لا نزال في المنزل، وبعد محاولات حثيثة، هدأ الرجل وبدأ يتقبّل حديثنا وحديث زوجته، ووافق على أن يحضر أخيه إلى منزله.اليوم الموعود
في اليوم التالي بعد صلاة المغرب، طلب "أبو فؤاد" من الأخ الأكبر أن يأتي إلى مكان عمله دون أن يستقل سيارته، و عندما جاء إلى دكانه، اصطحبه و"أبا محمد" بسيارته إلى منزل الأخ الأصغر، ليلتقي الشقيقان لأول مرة بعد 25 عام من الفراق والظلم والعذاب.. عن لحظة اللقاء يقول "أبو فؤاد": " كان في استقبالنا الأخ الأصغر وصاحب المنزل "أبو محمد"، في بادئ الأمر لم يفتح الباب لأخيه، فقد كان مترددا كثيرًا في استقباله، ثم أخذ يفتح الباب فينة ويغلقه مرة أخرى، وكان الأخ الأكبر يبكي، ونحن نتوسل للأخ الأصغر أن يفتح الباب ويستقبل أخيه، وبدأنا نستعطفه ونتوسل اليه بفتح الباب". ويتابع:" فتح الأخ الأصغر الباب وبدأ الاثنان بالنظر لبعضهما دون أن يقترب أحدهما من الآخر، فالصغير ينظر يمينا ويسارا دون أن تلتقِ نظراته بنظرات أخيه، وكأنه لا يريد لعاطفته أن تسيطر عليه، أما الأخ الكبير فكانت عيناه تذرفان بالدموع، وعندما ركض الأكبر ليقبّل قدمي الأصغر، رفض الأصغر ذلك، وأمسك بيد أخيه واحتضنه، و بدءا بالبكاء، والجميع حولهم يبكي. وبمجرد خروجنا من المكان- يقول أبو فؤاد- توجهنا لمنزل الأخ الأكبر واستقبلنا المحامي والابن البكر للأخ الأكبر مستقبلاً عمه الذي لم يعرفه الا حينها بحفاوة، وكان المحامي قد قسّم جميع الممتلكات والأموال بينهم و جهّز الأوراق والعقود، وتسلم كل منهما حقّه، وعندما جاء وقت مغادرة الرجل منزله البائس ذهب ليدفع ايجار الثلاث شهور لصاحب المنزل، لكنّه أبى أن يأخذ الأموال، وقال له بأنه سامحه بها. واختتم أبو فؤاد قصته لنا قائلاً:" ثم انتقل هذا العامل وزوجته وأطفاله ليعيش في بيته الجديد الذي كان قد تركه له والده، لينتقل بذلك من حياة الفقر والبؤس الى حياة الرفاهية والنعيم". نقلاً عن صحيفة فلسطينالمصدر :