تاريخ النشر:
02-04-2017 11:39 PM - آخر تحديث:
02-04-2017 8:39 PM
كتب - وليد جودة
كتابة التاريخ وصناعته، موهبة حباها الله لأهل قطاع غزة منذ زمن بعيد، ويبدو بأن ملاعب الكرة الغزية قد تعلمت من أصحابها، لتكتب تاريخاً جديداً، وتصنع لنفسها مجداً وتألقاً، رغم الظروف القاتلة، والبيئة المحبطة لأي إبداع رياضي.
رياضياً، أي مدينة أو دولة أو امبراطورية، لن تصنع ما صنعته غزة، فبعد عدوان دمر الأخضر واليابس، وترك في كل بيت غزي علامة، وفي كل جسد أثر، نجحت غزة بأن تقدم للعالم أجمع درساً خصوصياً بالغ الإتقان، في فن النهوض السريع ولملة الجراح، وإقامة الأفراح، حتى ولو فوق الركام.
مخاوف كبيرة بعد حرب صيف 2014 حول قدرة الشارع الرياضي بكافة مكوناته على تقديم موسم كروي ناجح، بل ربما على لعب الكرة من الأساس، ففي أي بقعة من العالم قد تتعرض لما تعرضت له غزة، قد يتوقف النشاط الرياضي لموسم أو أكثر، وقد تعجز لغة كرة القدم عن فرض نفسها ابتسامة جميلة على شفاه محبيها المثقلين بالهموم، لكنها غزة .. وكفى !
أبناء غزة حولوا المستحيل إلى واقع تجسد بواحدٍ من أفضل المواسم الكروية، إن لم يكن أفضلها على الإطلاق، موسم ناجح على كل الأصعدة، رياضياً وجماهيرياً وإعلامياً، موسم مليء بالتشويق والإثارة، المفاجآت السارة، و فيه الجديد كل الجديد، ندية في الميدان، وعدسات مبدعة، وأقلام من ذهب، ومباريات باتت تنقل تلفزيونياً.
كلمات "التحدي" و "الإصرار" و "العزيمة"، قد لا تبدو كافية لوصف إنجاز اتحاد الشجاعية، وكأن لقب دوري الدرجة الممتازة تمنع عن أبناء المنطار قبل هذا الموسم، من أجل أن يأتيهم صاغراً في أحلك الظروف وأصعبها، لقب جاء من بين ركام ذلك الحي الصامد، لقب غالي أفرح الشجاعية وكل من حولها، كل قطاع غزة.
تفوق كبير سجله أسود الشرق في بطولة هذا الموسم، بحسمهم اللقب بشكل مبكر نسبياً، فعملياً تتويج الأخضر كان متوقعاً قبل عدد كبير من الجولات، ورقمياً تحقق ذلك قبل جولتين من النهاية، تاريخ كتب بأحرف من ذهب، بأقدام يسار وخيري وعلاء والبقية، وعادت الفرحة للشجاعية !
وللحكاية بقية، فالدرجة الأولى كانت أحداثها تاريخية، بل أسطورية، والحقيقة أن الدرجة الأولى استحقت أن تسرق الأضواء من الدرجة الممتازة، بسبب التنافسية والإثارة التي شهدتها حتى لحظاتها الأخيرة، وأعلنت في خواتيمها عن صعود شباب جباليا وخدمات المغازي إلى الدرجة الممتازة، معيدين معهم الأضواء لأصحابها.
حتى الثواني الأخيرة، خمسة أندية كانت تمتلك الحلم المشروع بخطف إحدى بطاقتي الصعود، شباب جباليا خدم نفسه بنفسه وحسم أموره بفوز عريض في ديربي جباليا على جاره الخدمات برباعية، وبقت الحكاية معلقة بين رباعي يضم الزيتون والأهلي والقادسية ورابعهم صاحب البطاقة الذهبية، خدمات المغازي.
ترقب وتوتر، يتبعهما مشهد يذكرنا بلقطة سيرجيو راموس الإسباني عندما سجل هدف التعادل لفريقه ريال مدريد في الثواني الأخيرة من نهائي دوري أبطال أوروبا، ليعيد الأمل ويفوز الريال في الختام على أتلتيكو مدريد ويتوج بالعاشرة، فكان للمغازي راموس الخاص بها، له من اسمه نصيب ، فهو هلال بشر بالخير، ويستحق أن يرتقي لمرتبة البدر المكتمل، جلب السعادة لأهل المحافظة الوسطى أجمع، وبشرهم بأن شمسهم لن تغيب عن الدرجة الممتازة الموسم المقبل.
هدف هلال أبو غواش لمصلحة المغازي في مرمى بيت حانون الأهلي في الثواني الأخيرة، قلب شكل البطولة رأساً على عقب، وأكد أحقية الدرجة الأولى بامتياز الأضواء وتسليطها عليها، هدف أرسل المغازي للممتازة، وقلب احتفالات الزيتون بالصعود إلى حزن صامت، وأرسل بيت حانون الأهلي لغياهب الدرجة الثانية، وأبقى أهلي النصيرات في الأولى، وجعل الأهلي يتحسر على ما ضاع من بين يديه !
للزيتون والقادسية والأهلي والبقية، كل التحية، هو حال كرة القدم، يوم لك ويوم عليك، قدمتم ما عليكم ومشيئة الرحمن اختارت شباب جباليا وخدمات المغازي، وعليكم أن تعاودوا المحاولة مرة أخرى الموسم المقبل، وأن تحاولوا مجدداً سرقة الأضواء من فرسان الممتازة، الذين بات عليهم أن يعوا جيداً أن الجميع بات على أهبة الاستعداد لخطف مقاعدهم المحجوزة تحت أضواء الممتازة.
هذه غزة، وهذه كرتها، وهؤلاء هم أهلها، حولوا الرماد إلى ذهب، ونفخوا في الجسد الميت روحاً تتنفس، روح الرياضة وشمس الكرة أشرقت، ولن تغيب بإذن الله.
المصدر :