اختلف الفقهاء في هذه المسألة كشأن كثير من المسائل الفقهية، فمنهم من منع ذلك، ورأى أنه إما أن تصوم النوافل بنية النوافل، أو تصوم الفرائض بنية الفرائض، ولو صمت نفلا مع فرض صح منك نفلا ولم يصح الفرض، ومنهم من رأى جواز ذلك، لأنك نويت الجمع بين عملين من جنس واحد في العبادة، ومن الفقهاء من رأى أنه لا يقع عن أحد منهما لا الفرض ولا النفل، لأنه لم تصح نية واحدة لعمل منهما.
أما المانعون لذلك، فهم الأحناف والحنابلة، وابن حزم الظاهري، فقال الأحناف: (إذا نوى في الصوم القضاء والتطوع يكون تطوعاً ولا يجزئه عن القضاء عند الإمام محمد بن الحسن.
وقال الإمام أبو يوسف: يجزئه عن القضاء ويبطل التطوع ورواه الحسن عن أبي حنيفة لأن الفرض أقوى فتندفع نية الأدنى كمن نوى حجة الإسلام والتطوع).
أما موقف الحنابلة فقد قال ابن مفلح: (ويباح قضاء رمضان في عشر ذي الحجة وعنه يكره انتهى، والرواية الثانية يكره وقد علل بأن القضاء فيه يفوت به فضل صيامه تطوعا وبهذا علل الإمام أحمد وغيره ذكره ابن رجب في اللطائف، وقال وقد قيل: إنه يحصل به فضيلة صيام التطوع أيضا).
أما ابن حزم فقال في المحلى: (ومن مزج نية صوم فرض بفرض آخر أو بتطوع، أو فعل ذلك في صلاة أو زكاة، أو حج، أو عمرة، أو عتق: لم يجزه لشيء من كل ذلك، وبطل ذلك العمل كله، صوما كان، أو صلاة، أو زكاة، أو حجا، أو عمرة أو عتقا، إلا مزج العمرة بالحج لمن أحرم ومعه الهدي فقط، فهو حكمه اللازم له).
ومن الفقهاء من أجاز الجمع بين نية القضاء أو صوم الفرض والتطوع أو النوافل، وهم المالكية والشافعية، أما المالكية فقد فقال الإمام الزرقاني: (قال البدر: انظر لو صام يوم عرفة عن قضاء عليه، ونوى به القضاء وعرفة معا، فالظاهر أنه يجزئ عنهما معا، قياسا على من نوى بغسله الجنابة والجمعة فإنه يجزئ عنهما معا، وقياسا على من صلى الفرض ونوى التحية، وانظر النقل في المسألة، وكذلك يقال في عاشوراء وتاسوعاء ونحوهما تأمل).
وقال العلامة الدسوقي: (واعلم أنه يؤخذ من هذه المسألة صحة نية صوم عاشوراء للفضيلة والقضاء، ومال إليه ابن عرفة، ويؤخذ منه أيضا: أن من كبر تكبيرة واحدة ناويا بها الإحرام والركوع فإنها تجزئه، وأنه إن سلم تسليمة واحدة ناويا بها الفرض والرد فإنها تجزئه، وبه قال ابن رشد).
وأما رأي الشافعية فقال الإمام الرملي: (ولو صام في شوال قضاء، أو نذرا أو غيرهما، أو في نحو يوم عاشوراء حصل له ثواب تطوعها كما أفتى به الوالد -رحمه الله تعالى- تبعا للبارزي والأصفوني والناشري والفقيه علي بن صالح الحضرمي وغيرهم، لكن لا يحصل له الثواب الكامل المرتب على المطلوب، لا سيما من فاته رمضان، وصام عنه شوالا، لأنه لم يصدق عليه المعنى المتقدم)، ونقل نفس الموقف الإمام الهيتمي الشافعي في تحفة المنهاج.
وسئل شهاب الدين الرملي الشافعي عن شخص عليه صوم من رمضان، وقضاء في شوال، هل يحصل له قضاء رمضان وثواب ستة أيام من شوال، وهل في ذلك نقل؟
فأجاب: (بأنه يحصل بصومه قضاء رمضان وإن نوى به غيره، ويحصل له ثواب ستة من شوال، وقد ذكر المسألة جماعة من المتأخرين).
هذه أقوال المذاهب الفقهية الأربعة في المسألة، وهي كما نرى مسألة خلافية، وليس فيها نص يمنع أو يجيز، فمن يمنع يستند إلى عموميات بأنه لا يجمع بين الفرض والنفل، وأن الفرض أولى بالفعل، ومن يجيز يرى أنها عبادة من جنس واحد ويمكن الجمع بينهما، كما يجمع بين غسل الجنابة وغسل الجمعة، وهو جمع بين فرض ونفل، وأمثلة أخرى يجمع بينها في العبادات.
وما نراه في المسألة: أنه يجوز الجمع بين قضاء الفرض وصوم النوافل، وإن كنا نرى الأولى والأفضل أن يستمتع المسلم بصوم النوافل التي حث الشرع على صومها، مما لا يعوض، مثل: الست من شوال، ويوم عرفة، ويوم عاشوراء، ويجعل القضاء بعيدا عنها، ويمكنه أن يصوم النوافل الأخرى مع قضاء ما عليه، فإن تعذر عليه ذلك، فيمكنه أخذا بمذهب المالكية والشافعية أن ينوي بصيامه النوافل وقضاء ما عليه من رمضان.
المصدر : وكالات