مع بداية العدوان الإسرائيلي على غزة مساء العاشر من مايو/أيار، وحتى نهايته عند فجر 21 منه، اعتبر أبو عبيدة، المتحدث الرسمي باسم كتائب القسام، نجم المواجهة بلا منازع، سواء من خلال بياناته العسكرية الدقيقة، أو إطلالاته التلفزيونية القصيرة والبليغة، حتى باتت وسائل الإعلام العالمية والإسرائيلية، قبل المحلية، تتلقف ما ينطق به، نظرا للثقة التي حازها.
أبو عبيدة منح "الجزيرة نت" أولوية في إجراء حوار حصري للإجابة عن جملة من التساؤلات التي تدور في خلد الكثيرين من القراء والأوساط المختلفة.
بات ذكر اسم أبو عبيدة في وسائل الإعلام إيذانا بوقوع حدث ما كبير، لا سيما على صعيد تحقيق إنجاز عسكري للمقاومة، كيف تحول هذا الاسم إلى مصدر إلهام للفلسطينيين والعرب وأنصارهم حول العالم؟
هناك جملة من العوامل المهمة التي أسهمت في ذلك، لعل أهمها التركيز على المصداقية بشكل كبير جدا حين نعلن عن المهام العسكرية والعمليات الفدائية من حيث الزمان والمكان، ومدى التأثير المباشر، والإصابات التي وقعت في صفوف قوات الاحتلال، وكذلك المصداقية عندما يكون هناك خسائر وشهداء لدى المقاومة، حينها يتم التوضيح بكل صدق ومسؤولية.
مع العلم أن التصريح الإعلامي لدى كتائب القسام جزء من خطة عسكرية أمنية لديها، وبالتالي تستند كل مرحلة منه إلى رصيد ميداني على أرض الواقع، فمثلا عندما نعلن عن قصف مدينة تل أبيب مباشرة، في نفس الوقت تكون صفارات الإنذار تدوي في جميع أنحائها، وحينها تتناقل وسائل الإعلام المختلفة أخبار سقوط الصواريخ عليها بالعشرات، في هذه الحالة يصبح ظهورنا، كناطق عسكري، أو الحديث الذي ندلي به مقترنا بحدث ميداني مؤثر.
هل يمكن توصيف مهمة أبو عبيدة بأنها جزء من إستراتيجية الحرب النفسية التي تقوم بها كتائب القسام، وهو ما لاحظناه من خلال لغته وبياناته وتحديد أوقات العمليات وغيرها من الشواهد؟
مع مرور الوقت، وفي كل عدوان إسرائيلي ومواجهة تخوضها المقاومة، باتت مصداقية الخطاب الإعلامي لكتائب القسام مصدر اهتمام لدى العدو، وقد رأينا ذلك، وبتنا نعلم تماما أنه يتابع ما نقول ويتأثر بكل موقف ورسالة تصدر عن القسام خلال المعركة، وقد كان ذلك واضحا في أكثر من موقف وشاهد.
لعل أكبر مثال على ذلك أنه عندما ربطنا في واحد من تصريحاتنا المهمة، خلال العدوان، بين الاستهداف المتكرر للمنازل المدنية في قطاع غزة وتشريد سكانها واستشهادهم، وبين قصف كتائب القسام لمدينة تل أبيب بعشرات الصواريخ، رأينا على الفور كيف أن الاحتلال أجبر على تغيير سلوكه العدواني، واتخذ أشكالا أخرى من عمليات القصف والهجوم بعيدا عن استهداف المدنيين في مختلف أنحاء قطاع غزة.
هناك مثال آخر على ذلك، عندما أصدرنا تحذيرا للاحتلال في آخر ساعتين من العدوان، وتهديده بإطلاق رشقة كبيرة جدا من الصواريخ قد تطال مديات غير مسبوقة في حال أقدم العدو على ارتكاب أي حماقة قبيل دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، ورأينا كيف أن الاحتلال أذعن، ولم يقدم على أي قصف في مختلف أنحاء قطاع غزة طوال المدة التي تلت التحذير الذي أصدرناه وحتى دخول وقت وقف إطلاق النار، مع العلم أن الاحتلال اعتاد في الجولات والحروب السابقة التي كان يشنها على قطاع غزة، لاسيما في وقتها الأخير، أن يوجه ضربات شديدة على المدنيين الفلسطينيين في محاولة لرفع معنويات جمهوره المتدهورة.
لعلك تابعت قول المراسلة العسكرية الإسرائيلية غيلي كوهين حين أعلنت أن الجمهور الإسرائيلي يثق بتصريحات الناطق باسم القسام أكثر من الناطقين الإسرائيليين، حتى بات الإسرائيليون يراقبون المواعيد التي تحددها في بياناتك بشأن برنامج القصف، مما مثل إنجازا لكتائب القسام.. كيف تقيم ذلك؟
ليس لدينا شك أن غرفة عمليات جيش الاحتلال لدى قيادته الحربية تتابع عن كثب، بل تترجم ما يصدر عنا من خطاب إعلامي باسم كتائب القسام، وبشكل فوري، أولا بأول، مما ترك تأثيره على قيادة الاحتلال، وقراراتها بشكل واضح، وهذا يعتبر مرحلة متقدمة ومهمة من مراحل التأثير النفسي والميداني بواسطة الإعلام العسكري.
أضف إلى ذلك، فقد بات لدينا واضحا أن جمهور الاحتلال يتابع ما يصدر عنا، بل إنه يعتبره المصدر الحقيقي للمعلومة أثناء الحرب، ولا يثق بوسائل الإعلام الإسرائيلية، وهذه نقطة قوة لإعلامنا الحربي الصادق أمام إعلام العدو الذي يمتهن الكذب.
كيف يتم إعداد البيانات العسكرية التي تصدر باسم أبو عبيدة، وما هي مراحلها، وهل هناك مهام جهادية تقومون بها داخل الكتائب غير إصدار البيانات العسكرية؟
في بعض القضايا يكون تقدير الموقف الذي تتخذه قيادة كتائب القسام يقضي بأن تسود مرحلة من الصمت، وعدم التصريح باسم القسام، بأي بيان أو بلاغ، دون أن يكون ذلك ناتجا عن ضعف أو عدم قدرة من قوى المقاومة، لكن التجربة العسكرية علمتنا أن الصمت في بعض الأحيان يكون، كما التصريح، جزءا من تكتيكات المعركة.
جرت العادة لدينا، في مكتب الناطق العسكري باسم كتائب القسام، أن نقوم بإعداد كل موقف وتصريح بما يتناسب مع الواقع العسكري والميدان القتالي على الأرض، فكل تصريح وجملة وكلمة تخضع لتقدير موقف عملياتي وميداني وسياسي وإعلامي من مختلف أجهزة ودوائر الجناح العسكري، وهذه الآلية باتت متبعة لدينا وجزءا أساسيا من عملنا، وهو في النهاية ما يكسب عملنا كناطق عسكري باسم القسام مصداقية وشفافية لدى جميع الأطراف.
ما تقييم كتائب القسام لحجم الالتفاف الشعبي والجماهيري الفلسطيني والعربي والإسلامي خلف المقاومة، ولاحظنا ذلك بترديد أسماء قادتها في كل مكان، مما يتطلب تسليط الضوء على قدرة الكتائب في صناعة رمزية لقادتها العسكريين سواء محمد الضيف أو أبو عبيدة، وقبلهما يحيى عياش، ودورها بتحشيد الرأي العام الفلسطيني والعربي خلفها، وتكرار أسمائها؟
المسألة ببساطة تعود إلى أن هذه الجماهير الفلسطينية والعربية والإسلامية، ومعهم كل أحرار العالم، في حالة تعطش حقيقي إلى موقف وناطق عسكري ذي مصداقية، يحمل لهم أخبار انتصارات حقيقية، تتناغم مع تطلعاتهم وآمالهم بالحرية والتحرير، لا سيما إذا ما قارنا ما نصدره من بيانات وبلاغات عسكرية صادقة ودقيقة بما عاشته تلك الجماهير من خسارات وتجارب سابقة مؤلمة، لأنها مثلت في مجموعها ما يمكن تسميته "كيّ وعي" شديد للأمة العربية والإسلامية، وهو ما تم تتويجه في موجات التطبيع المخزية الأخيرة مع العدو.
لقد تجلت مصداقية كتائب القسام التي نتشرف، في الحديث باسمها في الكثير من محطات العدوان الأخير على غزة، سواء حين دعونا شركات الطيران العالمية إلى وقف فوري لرحلاتها إلى أي مطار في نطاق جغرافيا فلسطين المحتلة، أو تهديد العدو بأنه إذا تمادى في قصف الأبراج المدنية، فإن تل أبيب ستكون على موعد مع ضربة صاروخية قاسية تفوق ما حصل في عسقلان، وقد أكدت الوقائع الميدانية صدق هذه التهديدات، وأخذ العدو لها بالجدية المطلوبة.
يظهر البحث عن اسم أبو عبيدة على محرك غوغل أكثر من 7 ملايين نتيجة، وعلى منصة يوتيوب هناك 50 ألف مقطع فيديو، كيف يفسر أبو عبيدة حجم الإعجاب به عربيا، وسيل المقالات والخواطر التي كتبت بحقه، والسؤال دائما عن شخصيته التي لا يعرفها الجمهور إلا لملثم يرتدي الزي العسكري؟
بعيدا عن الجانب الشخصي، فإن الأمر يعود، بصدق وأمانة، إلى أن قيادة المقاومة وعلى رأسها كتائب الشهيد عز الدين القسام، كانت صادقة ووفية أمام كل الأمة من أقصاها إلى أقصاها، بالحفاظ على المقدسات، وعدم تمكين الاحتلال من تدنيسها، ولذلك ظهرت المقاومة على قدر المسؤولية حين ردت على عدوان الاحتلال في حي الشيخ جراح والمسجد الأقصى، رغم التضحيات الناجمة عن ذلك، لكنها ارتأت مختارة وعن طواعية أن تكون الملبية لنداءات المقدسيين وهم يتعرضون لحملة احتلالية بشعة، وبذلك حملت كتائب القسام هذا الهم المقدسي الذي بات يمثل قضية وطنية وإسلامية وإنسانية تخص الجميع.
تم إغلاق العديد من حساباتكم على مواقع التواصل، وقنواتكم على تطبيقات التراسل، ومع ذلك ظلت رسائلكم تصل للجمهور ووسائل الإعلام، كيف تفسرون ما يعتبره البعض حربا عليكم من منصات التواصل؟
هذا انحياز واضح للاحتلال، لأنه في الوقت الذي يتم فيه إغلاق العديد من حساباتنا بمختلف اللغات في فترات زمنية متقاربة، فإن هذه المنصات تفتح منابرها لشخصيات ومؤسسات الاحتلال التي تعج بالعنصرية والتطرف والإرهاب، فضلا عن كون ذلك انتهاكا صارخا لحق التزمت به المنصات أمام العالم، وانحيازا واضحا للاحتلال في صراع ينبغي أن تلتزم فيه (هذه المنصات) بالحياد.
إن رسالتنا عبر هذه المنصات واضحة المعالم، وتتمثل في الحرية والخلاص من الاحتلال العنصري البغيض، وإيصال رسالة للعالم تميّز بين الضحية والجلاد، ونحن ندعو إدارات هذه المنصات للالتزام بما تعلنه من مبادئ، وفي مقدمتها منح الجميع القدرة على ابتكار الأفكار والمعلومات، ومشاركتها على الفور بدون قيود.
المصدر : وكالات