في الوقت الذي كاد أن يطوى ملف أرهق الشارع الفلسطيني لمدة 14 عامًا من الانقسام، خرجت السلطة بشكلٍ مفاجئ وصادم، بإعلان عودة العلاقة مع "إسرائيل" لما كانت عليه في السابق.
وقال رئيس الهيئة العامة للشؤون المدنية حسين الشيخ، إن مسار العلاقة مع "إسرائيل" سيعود كما كان، مشيرًا إلى أن ذلك يأتي "على ضوء الاتصالات التي قام بها الرئيس محمود عباس بشأن التزام إسرائيل بالاتفاقيات الموقعة معنا".
وأضاف: "استناداً إلى ما وردنا من رسائل رسمية مكتوبة وشفوية بما يؤكد التزام إسرائيل بذلك، وعليه سيعود مسار العلاقة مع إسرائيل كما كان".
وفي منتصف مايو الماضي، أعلن الرئيس محمود عباس، التحلل من جميع الاتفاقيات مع "إسرائيل" وأمريكا، ردًا على الخطط الإسرائيلية لضم أراض فلسطينية.
وقال الرئيس إن "دولة فلسطين ومنظمة التحرير أصبحتا في حل من جميع الاتفاقيات والتفاهمات مع الحكومتين الأمريكية والإسرائيلية ومن جميع الالتزامات المترتبة عليها بما في ذلك الاتفاقيات الأمنية".
هذا القرار، كان مشجعًا لعقد اجتماع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية، حيث أجمعوا على إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة، ومناقشة وحدة الموقف السياسي والنضالي والتنظيمي.
بعدها، بدأت تطفو على السطح الحوارات الإيجابية الوجاهية بين حركتي "فتح" و"حماس"، بلقاء جمعهما في إسطنبول، في إطار إقفال الملف القاتل، وتطبيقًا لتوصيات اجتماع الأمناء العامين في بيروت.
وانطلقت المباحثات بين الجانبين في لقاء ثان في العاصمة المصرية القاهرة، لتحقيق الوحدة الوطنية، لتخرج تسريبات بأنهما تفاهما على عدد من النقاط (دون الكشف عنها)، والاتفاق على استكمال اللقاءات بين الحركتين خلال الفترة المقبلة، لمناقشة الموضوعات العالقة كافة.
حتى لحظتها، كان الفلسطينيون يغمرهم أمل تشرق الشمس من خلاله لإنهاء معاناتهم الممتدة لأجيال، وإغلاق قضية الانقسام.
وجاء قرار السلطة الفلسطينية بعودة علاقاتها كما كانت مع "إسرائيل"، ليضع الجميع في سؤال ينبثق مع حاجاتهم وعقولهم: هل انقطع أمل المصالحة؟ وما مصيرها؟ وهل تتوقف في ضوء ذلك القرار؟
تلك الأسئلة وغيرها، دفعت "الوطنية" للتوجه لعدد من المحللين السياسيين، لمعرفة مآلات المرحلة المقبلة والمتعلقة بملف الانقسام.
أولى الضحايا
قال المحلل السياسي طلال عوكل، إن توقيت الرسالة الإسرائيلية للسلطة الفلسطينية مهم جدًا، والتي بعثتها في ظل الأجواء الإيجابية التي تعيشها المصالحة، والتي ظهرت في حوارات "فتح" و"حماس" في القاهرة.
وأوضح عوكل، خلال حديثه لـ "الوطنية"، أن بعض التعليقات الإسرائيلية كانت تشير إلى أن هذه الرسالة التي أرسلها كميل أبو ركن منسق الشؤون المدنية والأمنية الإسرائيلي، للسلطة بالتزامها بالاتفاقيات معها ستؤدي إلى الإطاحة بالمصالحة.
ورأى أن هذا الأمر صحيح، لافتًا إلى أننا أمام تحول في الاتجاه السلبي الذي لا يخدم الأجواء الإيجابية المتفائلة بشأن المصالحة والسبب هو سياسي بالدرجة الأولى.
وأشار إلى أن المصالحة واجتماع الأمناء العامين وما بعد ذلك وما قبل ذلك من حوارات اتسمت بالإيجابية، كان لها علاقة بتوافق سياسي قائم على رفض "صفقة القرن" والسياسة الأمريكية الإسرائيلية.
وبين أن هذا التوافق السياسي لم يعد موجودًا لحد كبير، بمعنى أن بايدن يتحدث عن رؤية الدولتين وتغير مسار "صفقة القرن" والتواصل مع السلطة الفلسطينية مرة أخرى، وإعادة دفع بعض الأموال هنا وهناك.
وأضاف: "هذا التوافق مع إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن والتوجهات الأمريكية التقليدية يعني أن السلطة ذاهبة في هذه الوجهة"، منوهًا إلى أن التوافق السياسي لم يعد موجودًا بين الفصائل الفلسطينية.
وأكد أن أولى ضحايا استجابة السلطة لعودة مسارها مع "إسرائيل" هي المصالحة والمناخات الإيجابية وبالتالي فإن هذا المسار في طريقه للتوقف.
تأثير سلبي
بدوره، أكد المحلل السياسي مخيمر أبو سعدة، إن قرار عودة السلطة لمسار العلاقة مع "إسرائيل" سيؤثر سلبًا على مسار المصالحة الفلسطينية.
وأوضح أبو سعدة، خلال حديثه لـ "الوطنية"، أن ملف المصالحة بدأ يتفاعل بشكلٍ إيجابي بعد قرار الرئيس محمود عباس في 19/5/2020 بالتحلل من العلاقات مع "إسرائيل" ووقف التنسيق الأمني والمدني ووقف استلام أموال المقاصة، خاصة بعد توقيع اتفاق التطبيع بين الإمارات والبحرين مع "إسرائيل".
وأشار إلى أن الأمور بدأت تتفاعل بشكلٍ إيجابي في ملف المصالحة، وكانت أولى خطواته مؤتمر "رام الله-بيروت" ومؤتمر الأمناء العامون والذي عقد لأول مرة في عام 2011.
وبين أن الأمور الخاصة في موضوع المصالحة كانت ذاهبة بالاتجاه الإيجابي، بعد التقدم الذي حصل في إسطنبول والقاهرة.
وتابع: "سيكون من الصعب على "حماس" وعلى الفصائل الفلسطينية الأخرى الدخول بحوار فلسطيني في ظل العودة إلى علاقة مع الاحتلال والتنسيق الأمني والمدني، وفي ظل استمرار إسرائيل في إجراءاتها العنصرية عبر الاستيطان والتهويد".
المصدر : وجيه رشيد- الوطنية