قبل عدة أيام، كشف مستشار الرئيس الأمريكي للأمن القومي روبرت أوبراين، عن رغبة 3 أو 4 دول عربية بالتطبيع مع "إسرائيل"، خلال الشهرين المقبلين.
ولم يكن ما أفصحه به أوبراين، معلومة فريدة من نوعها، باعتبار أن الإمارات والبحرين قد أعلنا تطبيع علاقاتهما مع الاحتلال.
وفي 15 أيلول/ سبتمبر الماضي، وقعت أبو ظبي والمنامة "اتفاقية السلام" التي وصفوها بـ "التاريخية" مع "تل أبيب" في البيت الأبيض بحضور دونالد ترمب وتواجد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وحضور وزيري الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان، والبحريني خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة.
بعد ذلك، أعرب ترمب عن اعتقاده بأن "الكويت ستنضم سريعاً لاتفاقيات السلام مع إسرائيل"، كما صرح وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان في 19 آب/ أغسطس الماضي، أنه وضع شرطاً قبل التطبيع مع "إسرائيل"، في ظل عدم التوصل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين.
واعتمدت السودان الأسلوب نفسه ووضعت شروطاً للتطبيع وفق "والا" الإسرائيلي، إذ اشترطت الحصول على مساعدات اقتصادية، أولها منحة فورية بأكثر من ثلاثة مليارات دولار، إضافة إلى شطب اسمها عن قائمة الإرهاب.
السؤال المهم في صلب الملف هو لماذا يُصر ترمب ويضغط على الدول العربية لدفع عجلة التطبيع، وما هي سياسته المتبعة وكيف استطاع اقناعهم بأن "إسرائيل" حليفة وليست عدوًا، وغيرها من التساؤلات الرامية لفهم الواقع الذي نعيشه؟.
فكرة العدو إيران وليست "إسرائيل"
"الوطنية" بدورها توجهت إلى أحد أصحاب الاختصاص في هذ الشأن للتعرف على عقلية ترمب في إخضاع الدول العربية لأجندته واتباعها.
وقال الكاتب والمحلل السياسي وجيه أبو ظريفة، إن الولايات المتحدة الأمريكية تضغط على الدول العربية، وتحاول أن تستغل الفترة الحالية من أجل تغيير الواقع السياسي في منطقة الشرق الأوسط بأكمله.
وأكد أبو ظريفة، أن واشنطن تريد استغلال رغبة الدول العربية وحاجتها للحماية والدعم الأمريكي، خاصة بعد استطاعتها تسويق فكرة أن إيران هي العدو المباشر للدول العربية وخاصة دول الخليج، وتريد أيضًا أن تستغل الحماية الأمريكية مقابل ثمن وهو الذي تحدث عنه دونالد ترمب بشكلٍ واضح وهو الثمن السياسي أي تطبيع العلاقات مع "إسرائيل".
وأضاف: "تم تسويق فكرة أن العدو ليس إسرائيل بل إيران باعتبارها بحالة عداء معها، حيث تريد أمريكا أن يتحول هذا التحالف إلى تحالف في وجه طهران وتحالف إقليمي يضم تركيا في المستقبل ويضم باكستان ودول أخرى وتكون كلها في مواجهة إيران و روسيا والصين.
وأوضح أن الولايات المتحدة تهدد بالانسحاب من المنطقة وبالتالي لم تجد الدول العربية أمامها إلا أن تتحالف مع "إسرائيل" كقاعدة متقدمة للقوات الأمريكية والغرب بشكلٍ عام لحمايتها.
وأكد أن الضغط للتطبيع سيستمر ليس على الدول التي قامت بالتطبيع ولكن أيضًا على دول أخرى كسلطة عمان وربما الكويت لاحقًا والعراق والسودان والمغرب وموريتانيا وجيبوتي والصومال.
وأشار إلى أن هناك ترتيبًا جديدًا للعالم، فالمسألة ليست فقط موضوع المنطقة العربية أو المنطقة الخليجية وإنما هو موضوع إعادة ترتيب للعالم بأجمعه وهذا ما تريده أمريكا.
وتابع: "بسبب الانتخابات الأمريكية وعدم ضمان فوز ترمب، هناك تباطؤ من الدول العربية ومحاولة الانتظار لما سيحدث بعد 3 نوفمبر".
وأستطرد: "هناك مزيد من الدول العربية ستلجأ للتطبيع ربما ليس الآن ربما بشكلٍ أبطأ وربما ليس بشكلٍ جماعي ولكن يبدو أن المنظومة العربية (جامعة الدول العربية) والأمن الإقليمي العربي والدفاع العربي المشترك كل هذه المفاهيم سقطت لصالح ما تريده الولايات المتحدة الأمريكية من بناء تحالف شرق أوسطي تكون العرب جزء منه وكذلك إسرائيل".
وبين أنه في حال فوز ترمب أو خسارته فسيكون هناك تطبيع بكلا الحالتين، بوجود دونالد ترمب الضغوطات ستكون أكبر وسرعة التطبيع ستكون أعلى، وفي حال فوز بايدن ربما يكون هناك فتح لمسار سياسي بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وسيكون ضغط من أجل فتح مسار سياسي (مفاوضات)، وأن الضغط سيتوجه على الفلسطينيين أكثر مما سيتوجه على العرب.
ولفت إلى أن التطبيع ليس فقط بسبب وجود الإدارة الأمريكي، وإنما بمن يحكمها السرعة، ففي حال وجود ترمب فإن الضغط سيكون شديد، وفي حال وجود بايدن فإن الضغط يكون ربما بشكلٍ أقل، منوهًا إلى أن ترمب إذا فاز في الانتخابات سيعاود الضغط على العديد من الدول العربية للتطبيع مع "إسرائيل".
وبشأن سبب الضغط الذي تمارسه واشنطن على العرب، قال المحلل السياسي إن الإدارة الأمريكية تريد أولًا: الحفاظ على أمن "إسرائيل"، عندما تخرج جميع الدول العربية من ساحة المعركة مع "إسرائيل" سيتبقى الصراع "فلسطينيًا-إسرائيليًا"، وليس "عربيًا-إسرائيليًا"، وبالتالي ستكون "إسرائيل" في مأمن أكبر بعدم وجود العرب كجزء من المعركة في الصراع العربي الإسرائيلي.
ثانيًا: الضغط على الفلسطينيين حتى يقبلوا بالشروط الأمريكية وخاصة "صفقة القرن" والتي هي خطة إسرائيلية أصلًا، وكلما تخلى الظهير العربي عن الفلسطينيين كلما زاد الضغط عليهم لإجبارهم للذهاب إلى هذا المسار.
ثالثًا: نزع الشرعية عن القيادة الفلسطينية الحالية التي هي امتداد للحركة الـوطنية الفلسطينية، لتأتي بقيادة جديدة مدعومة من قبل العرب وتتواءم معهم وبالتالي تؤدي بالنتيجة إلى قبول ما يريده الأمريكان في موضوع فلسطين.
رابعًا: إنشاء حلف شرق أوسطي في وجه إيران وألا تتدخل هي بشكلٍ مباشر في أي معركة خلال حدود الولايات المتحدة الأمريكية مع إيران وروسيا والصين، بل تقوم بإنشاء تكتلات إقليمية والتكتل بالشرق الأوسط تريد أن تكون "إسرائيل" جزءًا منه وكذلك تركيا بصفتها جزءًا من حلف الناتو وتريد أن تكون قطر جزء منه بصفتها شريكة للولايات المتحدة من خلال جيناته وتريد باكستان وتريد أن تصل إلى أثيوبيا.
وأخيرًا: تتغير المنطقة لتكون منطقة نفوذ أمريكي جديد بمشاركة الجميع، ليبقى المستثنى الفلسطينيون وبالتالي يتعرضون للضغط بشكلٍ أكبر، ومحافظة على تفوق "إسرائيل" العسكري وتأمين الموارد البترولية ومواجهة أي تحديدات بشكلٍ خاص كروسيا والصين.
المصدر : وجيه رشيد- الوطنية