باتّ تلويح إسرائيل منذ سنوات يقترب من التنفيذ الآن، لاسيما بعد وضع زعيم حزب الليكود بنيامين نتنياهو، وزعيم الكنيست، بيني غانتس، صراعهما على الحكومة جانبًا ووقعا في نهاية شهر أبريل الماضي على اتفاق تشكيل حكومة ائتلافية، أهم ما ستقوم به هو فرض السيادة الإسرائيلية، "أي الضم" بالمفهوم السائد، على مناطق في الضفة الغربية.
العقلية الاستيطانية المشتركة ستثير أيضًا الرغبة المشتركة لنتنياهو وغانتس أو غيرهما من الإسرائيليين، فهي عقلية لا تستوعب غير لغة ابتلاع الأرضي الفلسطينية وقتل الحلم الفلسطيني في الدولة.
وفي ظل تفشي فيروس كورونا في إسرائيل، سيتم يوم الخميس القادم تنصيب الحكومة الإسرائيلية، وذلك بعد أن كان مقررا يوم الأربعاء، وأتى تأجيل التنصيب والتصويت على الائتلاف الحكومي في الكنيست، بسبب زيارة وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، إلى إسرائيل.
فرصة تاريخية
الكاتب والمحلل السياسي، هاني المصري، يرى أن لدى إسرائيل فرصة تاريخية للضم لأسباب مختصرة منها: انشغال العالم بمكافحة كورونا، واستمرار الانقسام الفلسطيني وتعمقه، مع اعتقاده أن ضم الغور والمستوطنات كاملة مرة واحدة غير مرجح، ولكنه ليس مستبعدًا كليًا، لأن إسرائيل المتحكم بها الأحزاب اليمينية.
أما المختص في الشأن الإسرائيلي، أكرم عطا الله، كان قريبًا من رأي المصري، إذ قال إن التنفيذ يقترب والعالم مشغول بالجائحة، لكن حسابات اليمين الإسرائيلي مختلفة، فهو يسابق الزمن لتنفيذ ضربته الكبرى بعد أن تم نشر خارطة الطريق نهاية كانون الثاني الماضي، والتي اختزلت كل الأحلام الاستيلائية الإسرائيلية في خطة واحدة وفي زمن قياسي، استغلالاً لظرف أو لظروف إقليمية وأميركية حملت رئيساً على هذه الدرجة من الجهل للبيت الأبيض قادماً من عالم التجارة والمصالح ويرى أن مصلحته فوق كل اعتبار، وفق تعبيره.
ويضيف:" نحن أمام عملية ضم فعلية، وهذا حلم نتنياهو واليمين الإسرائيلي الذي يطالب بتسريع العملية، في حين أن رئيس الوزراء الإسرائيلي أكثر استعجالاً وأكثر مرونة في توسيع حلمه من ضم الكتل الاستيطانية كما كان يقول، إلى ضم الضفة الغربية، وتلك الفرصة التي وفرها وصول ترمب وترافقت مع تخلي نتنياهو عن مصطلح الكتل الاستيطانية".
نتنياهو ربما يعتقد أن هذه الولاية هي ولايته الأخيرة، فقط سيحكم لعام ونصف العام، ولا يريد أن يترك الأمر لوصيفه الذي يبدو متراخياً بنظر اليمين ويظل يتحدث عن التوافق الأميركي والدولي، في حين أن نتنياهو يركل كل هذا العالم بقدمه ويتقدم بلا مبالاة لما يقوله كل سياسيي العالم وأوروبا، كما قال المختص.
إدارة ترمب تعارض
ويبدو أن الإدارة الأمريكية التي أعطت إسرائيل ما لم تعطيها الإدارات السابقة، تعارض خطة الضم في هذه المرحلة، ليس من باب أنها خطة محرمة وتقوض حل الدولتين، وإنما حفاظًا على هيبتها وجهدها في "صفقة القرن".
والإدارة الأمريكية اعتبرت، وفق تقرير إسرائيلي أعدته صحيفة "معاريف الإسرائيلية" قبل أيام، أن ضما أحادي الجانب تقدم عليه الحكومة الإسرائيلية سيشكل ضربة لـ "صفقة القرن" الأميركية المزعومة، وسيغلق الباب نهائيًا أمام تجاوب القيادة الفلسطينية مع الخطة الأميركية.
ويقول عطا الله في رحاب مقاله الذي نشر على صحيفة "الأيام" المحلية قبل يومين، واطلعت عليه "الوطنية"، إن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب يدير سياسة تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي تنبع من دين يجب تسديده لنتنياهو الذي ساعده في الانتخابات والوصول للبيت الأبيض وهو ما كشفت عنه مؤخراً صحيفة "هآرتس الإسرائيلية" بأن الوزير "تساحي هنغبي" كان ينسق مع "روجر ستون" المستشار السابق لترمب.
فقد عمل نتنياهو كل ما يستطيع من أجل فوز ترمب وإسقاط هيلاري كلينتون للتخلص من إرث الديمقراطيين كامتداد لباراك أوباما، لذا فإن ترمب لا يتورع حتى عن مخالفة السياسة الأميركية التقليدية والقانون الدولي والأخلاق في سبيل مساعدة صديقه، بحسب عطا الله.
فلسطينيًا، شعرت بسرعة القيادة بما هو قادم، وأبدت رفضها لخطة الضم الإسرائيلية وهددت مجددًا على لسان الرئيس محمود عباس بإلغاء وإبطال جميع الاتفاقيات والتفاهمات بين منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية والإدارة الأمريكية، بحال ضم أجزاء من الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وبالعودة إلى المصري، نجد أنه عرج بورقته السياسية التي نشرت على وسائل الإعلام على تهديدات القيادة الفلسطينية، قائلاً:" إن تصريحات الرئيس محمود عباس باعتبار كل شيء لاغٍ بيننا وبين الولايات المتحدة وإسرائيل إذا تم الضم لا معنى لها، إذا لم تسبقها إجراءات ملموسة لبناء البديل، وهي بحاجة إلى وحدة الشعب والفصائل والأرض والقضية على أساس رؤية واستراتيجية ومشاركة حقيقية".
ويضيف:" إذا اعتبرت الاتفاقات والالتزامات لاغية فعلًا، فهذا يعني فقدان السلطة لأهم مصادر وجودها ودعمها، وهي بحاجة إلى بناء بديل قادر على إيجاد جبهة وطنية عريضة تقيم سلطة من نوع جديد. فهل نحن مستعدون لذلك، وهل نملك الإرادة لتحقيقه؟ فهذا السؤال ينتظر من يجيب عنه".
تهديدات القيادة الفلسطينية
ويوم أمس، أفادت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية، بأن مسؤولين في السلطة الفلسطينية أبلغوا ما يسمى بـ "منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية" في الضفة الغربية وقطاع غزة، الضابط في جيش الاحتلال الإسرائيلي كميل أبو ركن، بأنه في حال نفذت إسرائيل مخطط ضم مناطق في الضفة الغربية إليها، فإن السلطة الفلسطينية ستقطع كافة علاقاتها مع إسرائيل، وبضمن ذلك التنسيق الأمني.
وحسب الصحيفة، فإن جهات في إسرائيل تعتقد أن تهديدات السلطة الفلسطينية بقطع العلاقات مع إسرائيل في حال تنفيذ الضم هي "تهديدات جدية" خلافا لتهديدات سابقة لم يتم تنفيذها، خاصة بما يتعلق بالتنسيق الأمني بين أجهزة الأمن الفلسطينية والجيش الإسرائيلي.
ومن وجهة نظر عطا الله، فإن إسرائيل تريد أن يقبل الفلسطينيون أو المنظمة ببقاء السلطة تحت الحكم الإسرائيلي مع التسليم بانتهاء الطموحات الوطنـية، أي نظام حكم داخلي على نمط حكم ذاتي، وتلك مهمة يصعب الاستمرار فيها؛ مع غياب الأفق السياسي، وهذا البقاء الذي سيطرح أسئلة كثيرة حول قبول هذا الواقع ليس فقط من قبل النخب الفلسطينية بل من قبل المواطن الفلسطيني نفسه. وهذا الخيار الذي تريده إسرائيل.
وعن تهديدات القيادة الفلسطينية المتكررة، قال:" باتت إسرائيل تتعامل مع تهديدات السلطة بلا جدية لكثرة ما تكررت بلا فعل ولم تنفذ ولن تنفذ أيضاً، والمثال الذي تتداوله الصحافة الإسرائيلية، عندما تم نقل السفارة الأميركية وفرض القانون الإسرائيلي على الضفة، أن كل شيء بقي كما هو، لذا فهي مطمئنة بل وتساهم بالحفاظ على الوضع الراهن حتى حين تتعرض السلطة لأزمة مالية، وهو ما يجب أن يقرأه الفلسطينيون جيداً للبحث عن الخيار الأمثل... إسرائيل ماضية في الضمّ، متسائلاً في نهاية المطاف:" ماذا أعد الفلسطينيون؟
والجمعة المقبلة، سيبحث وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي خلال اجتماع مجلس الاتحاد في مقترحات بشأن ردود فعل محتملة في حال أقدمت إسرائيل على ضم مناطق في الضفة الغربية إليها.
ونقلت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية اليوم، الثلاثاء، عن مصادر وصفتها بأنها مطلعة على المداولات حول هذا الموضوع، قولها إنه يلاحظ وجود تأييد متزايد بين دول الاتحاد لفرض عقوبات تردع إسرائيل من تنفيذ الضم. وذكرت المصادر دولا، بينها فرنسا وإسبانيا وإيرلندا والسويد وبلجيكا ولوكسمبورغ، كما تتبع خطا متشددا أكثر من غيرها بهذا الخصوص.
وكالة رويترز، قد نقلت أمس عن ثلاثة دبلوماسيين أوروبيين قولهم، إن دولا أوروبية تدفع باتجاه "رد أوروبي قاس" على إسرائيل إذا مضت بمخطط الضم، وأقدمت فعليا على فرض "سيادتها" على مناطق في الضفة الغربية المحتلة، وأن رد الاتحاد الأوروبي قد يصل إلى حد فرض عقوبات اقتصادية على إسرائيل.
المصدر : ليث شحادة_ الوكالة الوطنية للإعلام