استيقظ قطاع غزة، الأربعاء الماضي على وقع تفجيرين انتحاريين نُفِذا بَغَتَةً في نقطتين متفرقتين تابعتين لجهاز شرطة المرور والنجدة، حيث وقع التفجير الأول جنوب مدينة غزة قرب دوار الدحدوح والثاني في نقطة عسكرية على الطريق الساحلي جنوب غرب مدينة غزة.
تسابقت الأجهزة الشرطية لتنفيذ عدة إجراءات أمنية لفحص طبيعية الانفجارين المتلاحقين، حيث يقدر الزمن بين التفجير الأول والثاني من "20 دقيقة إلى 30 دقيقة"، فيما أصدرت وزارة الداخلية تصريحاً مقتضباً يدعو كافة مواطني القطاع بضبط النفس وعدم التسرع في نشر المعلومات التي من شأنها إرباك الأمنين وخلق الشق والصدع في الآراء اجتماعياً ووطنياً.
التصريحات الرسمية الأخيرة بعد يوم كامل من انتهاء الحدث الأمني، تثبت التعرف على منفذي التفجيرات، وكذلك الوقوف على معلومات خطيرة في الملف غالباً ما سيتم إغلاقه مع انتهاء عملية التحقيق وإعلان النتائج، إلا أن مسألة التفجير الإرهابي كفعل دموي يتم دراسته اجتماعياً ونفسياً لا يمكن اعتباره خروجاً عن المألوف خصوصاً مع بيئة غير مستقرة مثل غزة، ومع ذلك تبقى المسألة دون دراسة حقيقية للحصول على نتائج إيجابية للقضاء على الظاهرة إن تم إثباتها.
المتتبع لأية ردود فعل رسمية أو اجتماعية عبر أكثر من منصة إعلامية وبعد كل حادث "إرهابي" يرى الانحياز الكبير للضحية وتجريم الفاعل قطعاً قبل معرفة حيثيات الأمر وهذا ضمن ما يعتبر اتجاهاً وطنياً وسط التقلبات السياسية الكبيرة التي يشهدها الميدان الفلسطيني منذ ما يقارب الـ 15 عاماً، فكل ما ذكر من أشكال الاستنكار والشجب والتضامن والالتفاف، لا يلغي مساحة زمنية كبيرة جداً من مصطلحات وأفعال التطرف التي عاش معها جيلين على الأقل في الضفة وغزة والـ48 وغيرهم بعوامل خارجية بسبب الاحتلال أو ثورات الربيع العربي أو داخلية مثل الاحتلال والانقسام الفلسطيني.
وسط هذا كله ومن ضمن ردود الفعل التي تشي بحالة من عدم التوازن والتناقض أيضاً خرج الناطق باسم حركة "حماس" فوزي برهوم عبر "تويتر" متهماً حركة "فتح" ضمنياً بالوقوف وراء حالة الفوضى الحاصلة قائلاً "لن نستبق نتائج التحقيقات في أحداث التفجيرات ولكن كل محاولات إثارة الفوضى كان يقف وراءها جهاز المخابرات بالسلطة التابع لماجد فرج لصالح الشاباك والاحتلال، ليستغل الفرصة رئيس المكتب الإعلامي في مفوضية التعبئة والتنظيم في "فتح" منير الجاغوب ويرد قائلاً "ما حدث هو نتاج اتهامِ حركة حماس لكل من يخالفها الرأي بالخيانة و التكفير والخروج عن الملّة وغيرها".
في خضم ذلك تواصلت الوكالة الوطنية للإعلام مع عددٍ من الخبراء والمختصين السياسيين والأمنين محلياً للوقوف على حيثيات الحادث وتطوراته ومؤشراته، وكذلك التعرف على بيئة العمل الإرهابي بغزة وطبيعته وأسبابه ومراحل تطوره وتأثيراته على كافة الأصعدة، وكذلك الطرق الآمنة للتخلص منه، علماً بأنه من المقنع جدًا أن حاملي الأفكار المتطرفة بتعدد أوجهها وتبعياتها، تعودوا على الهمجية والرجعية وأفكار العبودية بأشكالها.
يرى المختص في الشؤون الأمنية ابراهيم حبيب، أن الحالة الموجود في غزة، لا يمكن دراستها كظاهرة حقيقية لها امتداداتها وتأثيراتها وقواعدها وأدواتها، كونها تفتقد إلى التواتر في تنفيذ العمل الإرهابي، ونظراً لبيئة غزة المستهدفة استخباراتياً من قبل "الموساد الإسرائيلي" وجهات خارجية أخرى على اختلاف مشارب المنفذين، فما جرى ويجري في القطاع من عمليات تفجير منفصلة وفي مراحل مختلفة، في غالبيتها وبعد انتهاء التحقيقات تثبت ارتباط المنفذين الوثيق بالاحتلال أو التلاقي في الأهداف.
فيما لم ينكر حبيب، دور الحالة النفسية التي يعيشها الشباب في القطاع نتيجة لتردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، مما يعطي شعوراً بالنقمة على المجتمع والبدء بممارسة حقيقية لاستباحة كافة الحدود بدافع الثأر لنفسه أو لغيره وفق مبرراته الخاصة.
أما عن تشتت المؤسسة الدينية في غزة، يوضح أن حالة التشتت تكاد تكون معدومة كون المذهب المتبع عند كافة أبناء القطاع هو "السني"، إلا أن وجود الأحزاب السياسية والإسلامية سمحت بدخول عدة أفكار والاطلاع عليها مما أعطى مجالاً للتأثر بها الى الحد الذي قد يؤدي إلى الانحراف في تطبيقها، وإلى كثير من الخطأ في فهم مقاصدها الدينية.
ومن جهته، يؤكد المحلل السياسي أكرم عطا الله في مقال له، أن ظاهرة الفكر الإرهابي ثقافة بحاجة الى علاج حقيقي، قائلاً: إنكارها لا يفيد كمن يدفن رأسه في الرمال وقد يكون قد ساهم بالتخفيف من وطأتها.
ويربط عطا الله بدايات ظهور وانتشار الحالات السلفية والجهادية بسيطرة حركة "حماس" على قطاع غزة، مشيراً إلى أن تكون بعضها يأتي كردة فعل على دخول الحركة للسلطة وبدئها بالبحث عما يخالف قاعدة "الجهاد فرض عين"، وبعضها قد يكون تكوينه مبني على حالة الفقر الشديدة التي دخلها القطاع بفعل الحصار.
ويضيف "الداعشية ثقافة كامنة فينا، ومن يؤيد قتل الفلسطيني للفلسطيني هو داعشي، ومن يؤيد أن يتفجر الأخ بأخيه هو داعشي، ومن يعتقد أنه بعد القتل سيذهب للجنة داعشي، ومن يؤيد شطب وإقصاء الآخر داعشي، ومن يعتدي على الناس داعشي ومن لا يحترم الآخر داعشي ومن يكفر ويخون هو داعشي. والمفارقة أن كل هؤلاء وبالدراسة تخرجوا من حلقات المساجد، هذه المرة من مسجد يتبع للجهاد وقبله من مساجد أخرى وتلك بحاجة الى قراءة لنضع أيدينا من أين يأتي الانحراف عندما تزيد الجريمة وكيف تتم حضانته ورعايته وتغذيته ومن هم آباؤه وأهله".
ويوضح أن الظواهر السلبية تتم قراءتها ومتابعتها لدى الدول جميعها وتخضع لمعايير الأصل والبيئة والوعي والجغرافيا لوضع العلاج المناسب لها، وليس فقط بالعلاج الأمني "رغم أهميته".
وفي إشارة إلى حادث مماثل إلى حد ما في ظروفه، التفجير الانتحاري الذي استهدف "نقطة أمنية" في مدينة رفح الحدودية مع مصر، وذلك في أغسطس من عام 2017 الماضي، والذي أسفر عن استشهاد أحد عناصر "القسام" وإصابة آخرين، حيث أكد الناطق باسم وزارة الداخلية إياد البزم وقتها، أن القوة الأمنية أوقفت شخصين لدى اقترابهما من الحدود الجنوبية لقطاع غزة فقام أحدهما بتفجير نفسه مما أدى الى مقتله وإصابة الآخر.
ليتم التأكد بعد ذلك، أن منفذي العملية هو نشطاء تابعون لجماعة سلفية متشددة تنتمي فكرياً إلى تنظيم "الدولة الإسلامية"، في الوقت الذي كانت الأجهزة الأمنية بغزة تلاحق عدداً كبيراً منهم، واعتقلت العشرات منهم.
وكانت قد تحدثت عدة تقارير رسمية وغير رسمية عن عشرات المنتسبين لتيارات التطرف والتعصب دون اعطاء إحصائية حقيقة عن أعدادهم بغزة، ليترك السؤال دون إجابة حتى الأن هل من المتوقع أن تتطور الأحداث إلى مواجهة عسكرية أكبر في حجم العمليات والخسائر؟!.
المصدر : الوطنية - فادي بارود