يشهد قطاع غزة في الفترة الحالية موجة من التغيرات الحياتية المعاكسة لما كانت عليه في سنوات الحصار الماضية، خصوصاً في السنتين الأخيرتين، إذ اشتدّ فيهما الحصار على القطاع، بفعل الإجراءات الإسرائيلية من جانب، وقرارات السلطة الفلسطينية من جانب آخر.
هذه التغيرات شملت العديد من الجوانب، على رأسها الحياتية التي تلمس الجوانب الخاصة بحياة المواطنين الذين عانوا في السنوات الماضية بفعل الحصار وإغلاق المعابر.
معبر رفح
وكانت أولى هذه التغيرات، ما شهده معبر رفح البري على الحدود الجنوبية لقطاع غزة مع مصر، والذي فتح أبوابه أمام تنقل المواطنين بشكل يومي منذ شهر يونيو الماضي، بقرار مباشر من الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي قرر فتح المعبر وإبقاءه على هذا الحال للتخفيف عن سكان قطاع غزة، علماً أن المعبر كان يفتح يومين أو ثلاثة كل شهر أو شهرين في السنوات الماضية.
الكهرباء
ويأتي التغير الإيجابي الثاني، الذي وصفه العديد من المواطنين بالمهم جداً، هو ما طرأ على جدول توزيع الكهرباء، الذي شهد تحسناً غير مسبوق منذ بدء الحصار على قطاع غزة في عام 2006.
ووصل جدول توزيع الكهرباء اليوم في غزة 8 وصل مقابل 8 قطع، مع زيادات كبيرة وواضحة في ساعات الوصل التي تصل بعض الأحيان لـ 24 ساعة، وذلك بفعل منحة الوقود القطرية المقدمة لشركة توليد الطاقة بقطاع غزة، بدعم وإشراف من الأمم المتحدة، الأمر الذي ساهم في تشغيل ثلاث مولدات للكهرباء فيها، وساعد على توفير كميات كبيرة من الطاقة.
رزمة مساعدات مالية
ويشهد القطاع هذه الأيام انفراجة في ملف رواتب موظفي حكومة غزة السابقة، بالإضافة لتوفير فرص عمل مؤقتة للخريجين والعمال، كما سيتم صرف مساعدات مالية لذوي شهداء مسيرة العودة والمصابين بها.
وأعلنت لجنة خاصة، مكونة من وزارات تمس الواقع الحياتي بغزة (التنمية الاجتماعية – العمل – المالية) عن توفير رزمة من المساعدات المالية، التي ستساهم في تغيير الواقع الاقتصادي الصعب، الذي يعيشه المواطنون بغزة في الفترة الأخيرة.
مساعدات قطرية
وتتواصل المساعدات المقدمة من دولة قطر لقطاع غزة منذ نهاية العدوان الأخير على قطاع غزة، إذ أعلن رئيس اللجنة القطرية لإعادة إعمار غزة السفير محمد العمادي، عن تخصيص مبالغ مالية لصرفها كمساعدات للفقراء والمحتاجين بغزة، والمتضررين بفعل الواقع الاقتصادي الذي يعيشه القطاع، إذ سيتم صرفها عبر وزارة التنمية الاجتماعية بغزة.
كما أعلن السفير العمادي عن زيارةٍ مرتقبةٍ له للقطاع، خلال الساعات المقبلة، بهدف التوقيع على مشاريع جديدة تخدم غزة وسكانها في الفترة المقبلة.
وبخصوص المنحة القطرية الخاصة بموظفي حكومة غزة، ألمحت مصادر محلية إلى أنها باتت على أبواب الدخول لقطاع غزة، في ظل تقدم ملموس في محادثات تثبيت التهدئة بين غزة والاحتلال وهو الأمر الذي اشترطته "اسرائيل" للسماح بدخول هذه المنحة.
سياسيا
ولا يزال الملف السياسي، الأكثر حراكاً في الوقت الراهن، خصوصاً مع الزيارات المكثفة للوفد الأمني المصري بين غزة ورام الله والداخل المحتل، بهدف تقريب وجهات النظر والتوصل لصيغة نهائية لتثبيت اتفاق وقف إطلاق النار، الذي وقع عقب عدوان 2014، مع تطبيق بنوده التي لم تطبق آنذاك.
كما يجري الوفد المصري حراكاً خاصاً على صعيد ملف المصالحة، ويجمع الأفكار من جميع الأطراف ويعدلها بحيث تتناسب مع الجميع خصوصاً بين طرفي الانقسام "فتح وحماس".
وكان رئيس ملف المصالحة في حركة "فتح" عزام الأحمد كشف مؤخراً عن حراك مصري جديد ستشهده الأيام المقبلة بشأن المصالحة الفلسطينية، قائلًا: "الأيام القادمة ستشهد تحركًا مصريًا جديدًا، يقوم على قاعدة الاتفاقيات الموقعة وآخرها اتفاق الآليات بتاريخ 12 أكتوبر 2017".
حماس والقاهرة
يبدو أن العلاقة بين حماس ومصر تزداد قوة ومتانة يوماً بعد يوم، وأكبر دليل على ذلك الزيارات التي يقوم بها وفد أمني رفيع لغزة خصيصاً لزيارة قادة الحركة، بالإضافة للدعوات الشخصية التي تتلقاها الحركة لزيارة القاهرة سواء من غزة أو في الخارج.
وشهدت الفترة الأخيرة تقديم العديد من التسهيلات من الجانب المصري لحماس وغزة، كفتح معبر رفح بشكل دائم، وإدخال مواد غذائية ومساعدات عبر ذات المعبر، المخصص بالأصل فقط لتنقل المواطنين.
وعلمت "الوطنية"، أن الأمر تطور في الفترة الأخيرة، ليصل للتباحث في ملفاتٍ كان يصعب الحديث عنها في الفترة الماضية، وعلى رأسها "ملف المختطفين الأربعة في مصر"، حيث جرى في اجتماع الوفد الامني المصري الأخير بقيادة حماس الحديث عن مصيرهم، ورشحت معلومة بأن الوفد قدم تطمينات حول مصيرهم بل ووصل الأمر للحديث عن قرب الإفراج عنهم.
يشار إلى أن مصر أفرجت قبل أيام عن مجموعة من الشبان الذين يتبعون لحركة الجهاد الإسلامي، كانوا محتجزين لديها عند محاولتهم التنقل من غزة للعالم الخارجي، وجرت عملية الإفراج بعد مناقشات جرت بين قيادة الجهاد والقاهرة.
مصير غزة ؟
وفي ظل هذه التغيرات المتسارعة التي يشهدها القطاع والتي جاءت عقب حراكٍ شعبي منتفض تكرس في فعاليات مسيرة العودة على حدود قطاع غزة البرية والبحرية، يتساءل البعض.. هل ستكون هذه بداية الانفراجات التي لطالما سمعوا بها مؤخراً؟ وهل ستتوج بكسر الحصار بشكل كامل عن قطاع وعودة الحياة لما كانت عليه سابقاً وتعود غزة كما كانوا يسمونها "جنة الأرض" في أعينهم!.
المصدر : الوطنية - تامر عليان