شهدت الليرة التركيّة أمس الجمعة، انهيارًا كبيرًا في قيمتها ازدادت حدّته مع إعلان الرّئيس الأميركي "دونالد ترامب"، فرض عقوباتٍ جديدة على الاقتصاد التركيّ، شمل فرض عقوباتٍ على الصّلب والألومنيوم.
لكن انهيار الليرة التركيّة ليس جديدًا فقبل شهرين قبيل الانتخابات التركيّة، ومع تصاعد حدّة التوتّر السياسي الداخلي، انهارت الليرة التركيّة، لكن التوقّعات باستقرار الليرة بعد الانتخابات لم تتحقّق، مع تصاعد الأزمات الخارجيّة، خصوصًا مع الولايات المتحدة الأميركيّة.
ما هي الأسباب السياسيّة للأزمة الحاليّة؟
الأسبوع الماضي شهدت العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا أسوأ أزمة بين البلدين، فالأزمة المستجدّة تستند إلى أكثر من خلاف أبرزها: الدّعم الأميركي لقوات سورية الديمقراطية، التي تصنّفها تركيا على أنّها إرهابيّة، وعزم تركيا شراء منظومة صواريخ إس ٤٠٠ من روسيا، بالإضافة إلى مطالبات تركيا المتكررة للولايات المتحدة بتسليمها فتح الله غولن، المتهم الرّئيس في تركيا بتنظيم محاولة الانقلاب العسكرية قبل عامين، لكنّ الأزمة بلغت ذروتها مع استمرار احتجاز تركيا قسًا أميركيًا، تعتقله منذ تشرين أول/أكتوبر الماضي، بشبهات دعم حركة غولن وحزب العمال الكردستاني المصنّف إرهابيًا في تركيا.
وفي تمّوز/يوليو الماضي، حوّلت تركيا القسّ للاعتقال المنزلي، وهو الأمر الذي لم يرضِ الإدارة الأميركيّة، فهدّدت تركيا بالعقوبات إن لم تفرج عنه، وهو الأمر الذي رفضته الرئاسة التركية.
وفعلًا، نفّذ ترامب تهديداته وفرض عقوباتٍ على وزيرين تركيين، هما وزير العدل والداخليّة، وهو ما استجلب ردًا تركيا مساويًا عبر فرض عقوبات على وزيري العدل والداخليّة الأميركيين.
وفي رواية لصحيفة "واشنطن بوست" الأميركيّة، هي أن ترامب توسّط لدى إسرائيل للإفراج عنه مواطنة تركيّة معتقلة لمقايضتها بالقسّ التركي، ورغم الإفراج عنها من قبل السلطات الإسرائيليّة، إلا أن القضاء التركي مدد اعتقال القسّ، وهو ما أغضب ترامب.
الليرة تراجعت حتى قبل تغريدة ترامب اليوم، لماذا؟
عاد يوم الخميس الماضي وفد تركي من الولايات المتحدة الأميركية، دون أيّ اتفاق بين الجهات الأميركيّة، خصوصًا مع دخول العقوبات الأميركيّة على إيران حيّز التنفيذ ورفض تركيا الالتزام بها، أسوةً بدول الاتحاد الأوروبيّ.
صحيفة "يني شفق" التركيّة نقلت عن مصادرها ما جرى داخل اللقاء، أولها اقتصاره على خمسين دقيقة فقط، برزت خلالها لغة التهديد الأميركيّة، التي لم تقتصر على الإفراج عن القسّ إنما عن 15مواطنًا تركيًا آخرين، تتهمهم تركيا بالارتباط بغولن، منهم موظّفون سابقون في السفارة الأميركيّة.
ويبلغ حجم التبادل التجاري بين الولايات المتحدة الأميركيّة وتركيا أكثر من 18مليار دولار، ما يؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد التركي وعلى قوّة الليرة.
هل هنالك تأثيرات للأزمة على الاقتصاد الأميركي بالمقابل؟
قد يبدو الجواب غير متوقّع لكنّه نعم، الأزمة أثّرت على الاقتصاد الأميركي أيضًا، فقد محت بورصات وول ستريت في نيويورك الأميركيّة كافة الارتفاعات التي حقّقتها الأسبوع الماضي، بسبب التصعيد في الأزمة مع تركيا، التي أدّت كذلك إلى ارتفاع الدولار إلى أعلى مستوى له خلال 14شهرًا أمام العملات المركزيّة في العالم، رافقها ارتفاع في قيمة السندات الحكومية الأميركيّة، عزّزها تحذير رئيس الوزراء الروسي من أنّ الولايات المتحدة بصدد إعلان "حرب تجارية ضدّ بلاده"، لكن هذه المخاوف، وفق أكثر من معلّق اقتصادي، قد تكون مؤقّتة ومحدودة التأثير على الاقتصاد الأميركي.
كيف أثّر هبوط الليرة على الاتحاد الأوروبيّ؟
تراجعت الأسهم الأوروبية أمس الجمعة، متأثرة بالهزة العنيفة في السوق التي أثارها الهبوط الحاد لليرة التركية، ومع تضرر بنوك كبرى في أوروبا من مخاوف تتعلق بانكشافها على تركيا، وفق "رويترز".
وجاءت البنوك بين أكبر القطاعات الخاسرة في جلسة الجمعة، بعد أن قالت صحيفة "فايننشال تايمز" إن البنك المركزي الأوروبي قلق من انكشاف بعض من أكبر البنوك في منطقة اليورو على تركيا، في ضوء هبوط عملتها.
وتدافع المستثمرون القلقون على الملاذات الآمنة في تركيا: الدولار والين والفرنك السويسري، وتخلصوا من العملات ذات المخاطر مثل عملات الأسواق الناشئة.
وتلقى اليورو ضربات عنيفة، بعد أن قالت صحيفة "فايننشال تايمز" الجمعة، نقلا عن مصدرين إن لدى البنك المركزي الأوروبي بواعث قلق حيال بنوك في إسبانيا وإيطاليا وفرنسا وانكشافها على متاعب تركيا، وفق "رويترز"، أيضًا.
هل من مخططات تركية لطمأنة المستثمرين؟
حرصًا منه على توجيه إشارات إيجابية إلى الأسواق، شدّد وزير المال الجديد براءة البيرق، وهو صهر إردوغان، على "أهميّة استقلالية البنك المركزي" التركي.
وسعى البيرق عبثًا منذ تعيينه في هذا المنصب بعد إعادة انتخاب إردوغان في حزيران/يونيو، إلى طمأنة الأسواق التي تنظر بقلق إلى هيمنة الرئيس بشكل متزايد على الشؤون الاقتصادية وتتخوف من مواقفه البعيدة عن النهج التقليدي، بالإضافة إلى الأزمة مع الولايات المتحدة.
وإردوغان الذي بات يمسك بكامل الصلاحيات التنفيذية بموجب التعديل الدستوري الأخير، الذي مكنّه من تعيين حاكم البنك المركزي، يعلن صراحة معارضته لرفع معدلات الفائدة من أجل ضبط التضخم.
إلا أن العديد من خبراء الاقتصاد يدعون إلى زيادة معدلات فائدة البنك المركزي لكبح التضخم، عملا بوسيلة تستخدم بصورة تقليدية في العالم لضبط ارتفاع الأسعار ودعم العملة الوطنية.
من سيستفيد اقتصاديًا من تراجع الليرة التركيّة؟
عادةً ما يؤدي انخفاض سعر العملية المحليّة أمام العملات الأجنبيّة إلى انخفاض تكلفة التصنيع المحليّ، وفي الحالة التركيّة فإن واحدةً من أكبر المستفيدين، اقتصاديًا،هي شركة "زارا" الإسبانيّة للملابس.
إذ تصنّع شركة "زارا" نسبة 15%من بضاعتها في المصانع التركيّة، وتدفع لهم رواتبهم بالليرة، التي يعني انخفاضها أمام الدولار أرباحًا إضافيّة للشركة، وفق شبكة "بلومبيرغ".
ما تأثير تراجع الليرة على السيّاح؟
من المتوقع أن يساهم تراجع الليرة التركية في ازدياد نسبة السيّاح الأجانب، وفق موقع "ذا غارديان"، إذ إن قضاء عطلة في تركيا أصبح أرخص بكثير من الماضي، وسيلحظ السياح الأجانب الحصول على الخدمات ذاتها مقابل مبالغ ماديّة أقل من العملة الصعبة.
ووفقًا للموقع، فقد ازدادت نسبة الحجوزات البريطانية لقضاء عطلة في تركيا بنسبة 63٪ هذا العام، وتجاوزت أنطاليا، لأوّل مرّة، بالما دي مايوركا الإسبانيّة في وجهة السياح البريطانيين إلى خارج البلاد.
ويعزّز تراجع سعر الليرة، مضافًا إلى تراجع العمليّات الإرهابيّة في تركيا، من انتعاش قطاع السياحة التركيّ.
المصدر : وكالات