يترقب الشارع الفلسطيني بتخوف الحالة الراهنة التي يمر بها المشروع الوطني الفلسطيني وسط الكثير من المتغيرات الدولية والإقليمية التي تتحدث عن سيناريوهات وخطط لطمس التاريخ والجغرافيا لحدود أي دولة فلسطينية وتصفيتها.
وتتعامل القوى الدولية مع القضية المركزية في سياق سياسة الأمر الواقع، مستغلين بذلك حالة الفرقة والخمول التي تصيب ملف المصالحة منذ ديسمبر عام 2017 الماضي.
ويتفق عدد من المحللين السياسيين في أحاديث منفصلة مع الوطنية على وجود حالة غير مسبوقة من الضبابية في المشهد المستقبلي للقضية الفلسطينية.
ويقول المحلل السياسي أكرم عطا الله، إن مستقبل غزة متعلق بما تريده الأطراف الفلسطينية الموجودة على الساحة الأن وقدرتها على تخطي المرحلة بالمصالحة الحقيقة وكذلك الجهود المصرية والضغط باتجاه ذلك، لأن السيناريو القائم من وجهة نظر إسرائيل هو الفصل منذ زمن.
وأكد عطا الله أن مصر لن تقبل بقاء حركة "حماس" على سدة حكم غزة في حال فشلت في جهودها للمصالحة، متابعًا "ربما يكون نظام قائم على الشراكة مع حماس جزء منه، لأنها لا تشكل الأغلبية في غزة".
وأوضح عطا الله أن كثرة المتغيرات التي تفرض على الساحة الفلسطينية فيما يتعلق بالاجتماعات الأخيرة بين حركتي فتح وحماس مع الجانب المصري كلٌ على حدا، وكذلك انعقاد المجلس الوطني يوم 30 نيسان "ابريل" الجاري يشير باقتراب مرحلة الحسم بخصوص ترتيب أوضاع البيت الفلسطيني.
وأضاف " في هذه الحالة الراهنة يصعب جدًا إيجاد تصور منطقي لما يحدث، وكل ما يدور من تكهنات حول شخصيات لها أثر في الساحة يمكن أن تختفي مع ظهور النتائج في الأيام القادمة، خصوصًا إذا استمرت الحالة الاقتصادية والاجتماعية بهذا التدهور مع وجود حماس بغزة والسلطة برام الله".
وكان وفد من حركة "فتح" برئاسة نائب رئيس الحركة محمود العالول اجتمع خلال الأيام الماضية في القاهرة برئيس جهاز المخابرات المصرية الوزير عباس كامل وعدد من قادة الجهاز في القاهرة.
وشدد الوفد على تمسكه باتفاق المصالحة، حتى يتم تنفيذ كل بنود اتفاق المصالحة الموقع في 4-5-2011 والتفاهمات اللاحقة، والتي كان آخرها الاتفاق الموقع بين حركتي "فتح" و"حماس" في القاهرة بتاريخ 12-10-2017،
وجاء ذلك بالتزامن مع دعوة حركة "حماس" الفصائل الفلسطينية، ومختلف المؤسسات الأهلية الفلسطينية، والشخصيات الوطنية الاعتبارية، إلى تسجيل موقف وطني في رفض المشاركة في جلسة المجلس الوطني، حيث أعلنت الجبهة الشعبية رفضها المطلق للمشاركة بالمجلس الوطني فيما قالت الجبهة الديموقراطية للوطنية في تصريح سابق أنها تدرس الموافقة أو الرفض مع القيادة العليا.
غياب التصور المنطقي
فيما وجد المحلل السياسي تيسير محيسن أنه من الصعب جدًا في المنظور القريب إيجاد تصور منطقي لما يدور على الساحة الفلسطينية، وغزة على وجه الخصوص، بسبب كثرة المعطيات والمتغيرات التي تفرضها الإدارة الأمريكية واسرائيل والأطراف العربية، وكذلك حالة الخلاف بين طرفي الانقسام "فتح وحماس".
وأوضح محيسن أن الحالة الشعبية والهبات الجماهرية الرافضة للكل القرارات الدولية وردود الفعل الإسرائيلية حولها مع وجود حالة الانعدام الاقتصادي، باتت أمرًا مقلقًا في كل جوانب ويتطلب من الكل الفلسطيني سرعة إنجاز الكثير من الملفات العالقة لمجابهة خطط أمريكا واسرائيل وغيرهم من الأطراف والحفاظ على السلم الأهلي ومحاولة إنعاش الوضع بغزة.
وقال إن سفينة الحراك الداخلي لم تجد حتى الأن أي شاطئ لترسوا عليه، حيث ستبقى الحالة الفلسطينية تتراوح ما بين الشدة واللين دون احتمال بوجود انفراجه تنعكس إيجابًا على أرض الواقع، مع عدم قدرة الطرف المصري من إحداث علامة فارقة في ملف المصالحة وإنجازه بالكامل.
وفرض الرئيس محمود عباس في إبريل العام الماضي إجراءات "عقابية" على قطاع غزة لإجبار حركة "حماس" على تسليم القطاع لحكومة الوفاق الوطني، وأعقبها فرض عقوبات جديدة على خلفية التفجير الذي استهدف موكب رئيس الوزراء ورئيس المخابرات، حيث حمل حماس كامل المسؤولية حول التفجير.
المرحلة حساسة
وأضاف محيسن أن الأحداث المتصاعدة في غزة في هذه المرحلة الحساسة ستحمل متغيرات جديدة على الواقع الوطني، وكذلك تحولًا في الرأي العام الدولي والتوجهات الإقليمية، لذلك يجب الإسراع في خدمة هذه الفعاليات الشعبية وتكوين حصانة سياسية تدافع عنها لتقول "كلمة الفصل" مستقبلًا.
من جهته، قال المحلل السياسي ذو الفقار سويرجو، إن جملة من السيناريوهات موجودة على طاولة المتغيرات، أولها وأسوأها بقاء الوضع على ما هو عليه جراء المزيد من الإجراءات المفروضة على القطاع من قبل السلطة وأيضًا الحصار الإسرائيلي.
وأضاف سويرجو "السناريو الأخر هو التدخل الخارجي لمنع التطور في الواقع المعيشي لقطاع غزة، خصوصًا وأن مسيرة العودة أعادت أنظار العالم إلى ما يحصل في فلسطين من اعتداءات وقرارات ظالمة بحق الشعب الفلسطيني، إلا أن هذا السناريو لا يتماشى مع التوجهات الدولية التي يتم العمل عليها لتصفية القضية الفلسطينية".
وتابع " أما السناريو الثالث والأقرب لمنطق المعطيات السياسية، أن تنجح مصر في ايجاد اختراق واضح وايجابي في ملف المصالحة بتغيير قناعات حركة "حماس" بخصوص مفهوم التمكين، مما يخفف عن أهالي القطاع، والخروج بصفقة سياسية غير منصفة للواقع الفلسطيني والقضية".
وأكد أن هناك حالة من الصدام السياسي تقترب بسبب حالة الخمول في ملف المصالحة خصوصًا وأن المجلس الوطني سيعقد دون حركتي حماس والجهاد الإسلامي، موضحًا أن المحطة التي تقف عندها القضية الفلسطينية صعبة إلا أنها لن تكون النهاية وستكون مليئة بالتضحيات وتحتاج إلى مزيد من الصبر لإنقاذ المشروع الوطني الفلسطيني.
وكانت صحيفة "الأخبار" اللبنانية ذكرت في تقرير لها أن عرضا أوروبيا قُدم إلى حركة حماس عبر جهة دولية، لمواجهة خطوات الرئيس عباس، إذا واصل فرض المزيد من العقوبات على القطاع وذهب نحو التخلي عنه كليًا.
وفي تفاصيل العرض، قالت الصحيفة إن دولا أوروبية ستتكفل بإدارة شؤون غزة من الناحية الإنسانية والمعيشية، بما في ذلك رواتب جميع الموظفين في القطاع "التابعين للسلطة أو لحكومة غزة السابقة"، لكن بشرط أن تحصل اللجنة الأوروبية حينذاك على إيرادات القطاع كافة التي يجبيها الاحتلال لمصلحة السلطة.
المصدر : الوطنية - فادي بارود