اضطرت الطالبة شيماء عاشور 21 عاماً للتوقف عن دراستها الجامعية وهي في الفصل الأخير بسبب الأوضاع الاقتصادية التي تمر بها عائلتها جراء الخصومات التي فرضتها السلطة الفلسطينية على موظفيها في القطاع منذ نحو العام.
وفشلت عاشور الذي يعمل والدها موظفاً في السلطة الفلسطينية في الحصول على قرض جامعي يمكنها من إكمال فصلها الدراسي الأخير، وهو الأمر الذي حطم حلمها بلبس ثوب التخرج هذا العام مع زميلاتها.
وتقول عاشور لـ "الوطنية": "كنت دائماً ما أخطط لمستقبلي، وأخبر نفسي وعائلتي بأني سأبذل قصارى جهدي لكي أصبح مدرسة لغة عربية، ولكن يبدو أن غزة تنهار وستنهار معها آمالنا وأحلامنا".
ولم تتوقف الأزمة عند عاشور، فقد طالت أيضاً الطالب محمود السيسي من قسم الحاسوب في جامعة الأقصى، التي بلغت مستحقاته المالية للجامعة (200) دينار، ويتبقى عليه 30 ساعة دراسية للتخرج، ولكن الوضع الكارثي الذي سببته خصومات الرواتب جعل من عودته للجامعة أشبه بالمستحيل.
وأوضح السيسي أن والده المعيل الوحيد للأسرة أصبح راتبه لا يتعدى 400 شيكل بعد أن طالته الخصومات، وهذا المبلغ لا يكفي حتى للحصول على الاحتياجات الأساسية للعائلة.
وبحزن شديد يقول: "قمت بتأجيل الفصل الماضي، على أمل أن تفرج في الفصل القادم وأكمل دراستي، لكن الأمور ازدادت سوءاً، ولا أعرف ماذا ينتظرنا بعد".
ولا تعد "شيماء" و "محمود" سوى أمثلة بسيطة على آلاف الطلبة الذين توقفوا عن دراستهم الجامعية، ولم يتمكنوا من التسجيل للفصل الحالي بسبب الأزمات الاقتصادية المتلاحقة على قطاع غزة.
ويقول مدير شئون الطلبة في الجامعة الإسلامية عبد الرحمن المقادمة، إن هناك عدداً كبيراً من الطلبة لم يسجلوا للفصل الحالي وحاولوا تأجيل الفصل، وهذا كله نتيجة لتدهور الأوضاع الاقتصادية التي انعكست على الطلبة.
وذكر أنه نحو 1500 طالب لم يسجلوا للفصل الحالي من العدد الإجمالي البالغ 17 ألف طالب.
وأشار إلى أن الجامعة حاولت من التخفيف بشكل كبير على الطلبة وتخفيض الحد الأدنى إلى النصف ليتمكنوا من التسجيل، وأخبرت الطلاب بأن يأتوا إلى الجامعة ويحضروا المحاضرات من دون تسجيل للفصل، إلى أن تتمكن الجامعة من إيجاد حلول لهذه الأزمة.
وفي نفس السياق، يقول مسئول العلاقات العامة في مجلس طلاب الجامعة الإسلامية محمد النعامي، إن الطلبة أصبحوا مؤخراً يعتمدون نظام احتساب المواد من مائة وتقديم الامتحان النهائي فقط؛ لعدم تمكنهم من الحضور إلى الجامعة بسبب عدم امتلاكهم تكاليف المواصلات.
وأوضح أن الكثير من المحاضرات تكون أشبه بالفارغة، ويشعر الدكتور بالسوء وعدم تمكنه من تقديم المحاضرة بوجود عدد قليل من الطلبة يصل أحياناً إلى طالبين أو ثلاث طلاب في المحاضرة.
ومن جانبه، قال مدير شؤون الطلبة في جامعة الأقصى محمود زامل، إنهم يتعاونون بشكل كبير مع الطلبة، ويقوموا بالتسجيل لهم حتى لو دفعوا أقل القليل، ولكن هناك عزوف كبير من الطلبة عن التسجيل.
ووصل عدد الطلبة غير المسجلين هذا الفصل ما يقارب 6 آلاف طالب، أي ما يعادل ثلث العدد الإجمالي للطلبة والبالغ 19 ألف طالب.
وأشار إلى أن الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها القطاع كانت سبباً في ارتفاع عدد الطلبة غير المسجلين، " فكون الجامعة مؤسسة حكومية، فإن كل الأحداث الجارية في القطاع تؤثر عليها".
وفي متابعة حديثه، يقول زامل إن هناك حوالي 5 آلاف طالب استفادوا من البحث الاجتماعي، ومنهم من يتم التسجيل لهم من دون دفع أي مبلغ، مشيراً إلى أن الطلبة قد يمتلكون مبلغ من المال، ولكن تخوفهم من المجهول الذي ينتظر البلد يضطرهم إلى عدم دفعه للجامعة واستخدامه في أمور أخرى.
أما بالنسبة لجامعة الأزهر، فإن باب التسجيل مفتوح حتى الآن أمام الطلبة وستبقى الفرصة مفتوحة أمامهم للتسجيل حتى موعد الامتحانات النصفية.
ويقول عميد شئون الطلبة مدحت سعد الله إن هناك عدد كبير من الطلبة لم يسجلوا للفصل الحالي حتى الآن، والكثير منهم يحضرون المحاضرات من دون تسجيل.
ولا يتجاوز عدد الطلبة الذي سجلوا للفصل الحالي 4 آلاف طالب، أي أقل من ربع العدد الإجمالي للطلبة والبالغ 14 ألف طالب، وفق سعد الله.
وبين أن نظام الاعفاءات في الجامعة يشمل 4 آلاف طالب، ويحاولوا البحث مع بعض الجهات الداعمة لمساعدة الطلبة في عملية التسجيل.
ويرى أستاذ الاقتصاد في جامعة الأزهر معين رجب أن تأجيل الطلاب لدراستهم الجامعية وعدم تمكنهم من استكمال تعليمهم في الوقت المحدد يضعف رغبتهم في الالتحاق بالتعليم ويشعرهم بأنهم فقدوا سنوات من أعمارهم.
وأوضح أن هذا الأمر سيؤدي إلى تراجع في نسبة الطلبة الحاصلين على المؤهلات العلمية التي يحتاجون إليها، وقد يضطرون إلى الاتجاه إلى سوق العمل دون أن يمتلكون التأهيل المناسب والكافي.
وأشار إلى أن تركهم الدراسة يجعلهم بحالة فراغ، الأمر الذي قد يترتب عليه قضاء أوقاتهم بطريقة تضر بهم، فيتجمع الشباب بالمقاهي وقد يصل الأمر بهم إلى الانحراف سلوكياً.
المصدر : الوطنية - إسراء شحادة