"منتصب القامة أمشي مرفوع الهامة أمشي، في كفي قصفة زيتون وعلى كتفي نعشي، وأنا أمشي وأنا أمشي، قلبي قمر أحمر قلبي بستان، فيه فيه العوسج فيه الريحان، شفتاي سماء تمطر نارًا حينًا حبًا أحيان"

بتلك الكلمات يستذكر الشارع الفلسطيني اليوم الذكرى الثالثة لرحيل شاعره سميح القاسم، المولود في مدينة الزرقاء الأردنية في 11 آيار مايو 1939، لعائلة فلسطينية هُجّرت من قرية الرامة القريبة من مدينة عكا.

درس القاسم في الرامة والناصرة، وقد اعتقلته سلطات الاحتلال الإسرائيلي عدة مرات وفرضت عليه الإقامة الجبرية لمواقفه المعارضة لسياسة الاحتلال، كما قاوم التجنيد الذي فرضته إسرائيل على الطائفة الدرزية التي ينتمي لها.

وقد روى له والده قصةً حصلت معه في صغره، جعلت الدافع عنده تجاه الكتابة يتكون ويُوَجهه كسلاحِ رفضاً لسياسة الإخراس والصمت، فقد كان والده ضابطًا في قوة حدود شرق الأردن، وكان الضباط يقيمون هناك مع عائلاتهم، وفي طريق عودتهم المحفوف بالخطر أثناء الحرب العالمية الثانية بكى الطفل سميح، فذعر الركاب وهددوا بقتل الطفل، فاضطر والده إلى إشهار سلاحه لردعهم، وحين رُويت الحكاية لسميح تركت أثرًا عميقًا في نفسه، وقال معلقًا "حسناً لقد حاولوا إخراسي منذ الطفولة سأريهم سأتكلّم متى أشاء وفي أيّ وقت وبأعلى صَوت، لنْ يقوى أحدٌ على إسكاتي".

وكان لسميح القاسم مساهمات بارزة في تحرير جريدتي "الغد والاتحاد"، ثم عُيّن رئيسًا لتحرير جريدة "هذا العالم" عام 1966م، وعمِل بعدها مُحررًا أدبيُا في "الاتحاد" وأمين عام تحرير "الجديد"، ثم رئيسًا لتحريرها، وكذلك ترأس الاتحاد العام للكتاب العرب الفلسطينيين، وترأس اتحاد الكتاب العرب.

تنوعت الأعمال التي قدمها الراحل الكبير، ما بين الشعر والنثر والمسرحيات، وقد اتخذت كتاباته طابع الثورة والمقاومة، حتى وصلت لأكثر من سبعين عملًا، وقد صدرت أعماله في سبعة مجلدات عن دور نشر عدة في القدس وبيروت والقاهرة، وكذلك تُرجم عدد كبير من قصائده إلى لغات منوعة منها الإنجليزية والروسية والألمانية والعبرية، ولغات أخرى.

وتناول القاسم في شعره الكفاح والمعاناة الفلسطينية، واتجه نحو كتابة الروايات، وفي الوقت نفسه كان من بين اهتماماته إنشاء مسرح فلسطيني ليحمل رسالة فنية وثقافية عالية، ورسالة سياسية قادرة على التأثير في الرأي العام العالمي فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية.

وقد حصد الشاعر على العديد من الجوائز والدروع وشهادات التقدير، فمن بين الجوائز التي حصل عليها، جائزة "غار الشعر" من إسبانيا، وعلى جائزتين من فرنسا عن مختاراته التي ترجمها إلى الفرنسية الشاعر والكاتب المغربي عبد اللطيف اللعبي، وحصل على جائزة نجيب محفوظ من مصر، وحصل مرّتين على "وسام القدس للثقافة" من الرئيس ياسر عرفات, وجوائز عدة أخرى.

واهتم الكثير من الدارسين والناقدين بكتابات سميح القاسم ووظّفوها كموضع دراسة لأبحاثهم، وبرز هذا الاهتمام من الموضوعات التي اهتمت بها أشعاره والقضية الفلسطينية التي وظفها القاسم للفت نظر العالم أجمع إلى القضية الفلسطينية، القضية الأعدل على وجه الأرض.

وقبل وفاته، عانى القاسم من مرض سرطان الكبد، إلى أن توفي عن عمر يناهز 75، ودفن في مدينة صفد الفلسطينية.

المصدر : الوطنية