على طول السنين والعصور، تغنى كبار شعراء العربية بالعيون وسحرها، واعتبروها مصدرًا للإلهام، ورمزًا للجمال، وأبدعوا في وصف شكلها ورموشها وبريقها، وكل ذلك ما كان ليحصل دون الكحل ودوره الكبير في جمالية العيون وتزينها.
وترتسم ملامح التواضع على مكانٍ صغير من بيت بسيط في مدينة غزة تنتج فيه السيدة أم نبيل الضوابحة المكون الأساسي لما ذخر به التراث العربي عن العيون وسحرها.
وتصنع أم نبيل الكحل الطبيعي من خلال عملية حرق قطعة قماش مبللة بزيت الزيتون، داخل علبة نحاسية، حيث يتصاعد ويتراكم دخان الزيت المحروق على سطح معدني.
وتراقب أم نبيل لون الدخان المتصاعد وتحرص أن يبقى أسودًا حتى تزداد كمية الكحل المنتجة، حيث تضيف زيت الزيتون لعملية الاحتراق كلما تحول الدخان للأبيض الذي يشير إلى انتهاء مخزون الزيت على القماش.
وبعد انتهاء عملية الاحتراق بالكامل، يتم تجميع الكحل الأسود المتراكم على السطح المعدني، وتعبئته في المكاحل العربية النحاسية التقليدية بأشكالها الجذابة، وبذلك يكون المنتج جاهزًا للاستعمال بشكل أمن وطبيعي.
ويرجع استخدام الكحل لمئات السنين، حيث تبيّن دخوله في معظم الوصفات الخاصة بالعيون في عهد الفراعنة، ويظهر ذلك بشكل كبير في الصور والرسوم الموجودة على المعابد المصرية في مختلف مدنها.
وتقول أم نبيل لـ الوطنية إن الكحل الطبيعي من التراث العربي القديم والأصيل، ويختلف عن باقي المنتجات العصرية بأنه آمن ومفيد للعين، ولا يحتوي على المواد الكيمائية الخطيرة.
وظهر من الكحل الصناعي العديد من الأنواع، وأثبتت فشلها بل وأصابت البعض بمضاعفات لما تحمله من عناصر مضرة بالعين، حيث تحذر بعض الدراسات الطبية من خطر الكحل الصناعي على العين، وتأثيره الضار على البصر، لاحتوائه على نسبة عالية من الرصاص تتراوح ما بين 85 و100 في كل غرام من الكحل.
طول وقت الإنتاج لا يشكل عائقًا لأم نبيل، بل إن كل ما تسعى إليه هو الخروج بنتيجة ممتازة، وبمكون أصيل للكحل الذي توارثت وتعلمت صناعته عن والدتها التي هي تعلمته من جدتها.
وتبين أم نبيل أن هذا الكحل نادر وغير منتشر، ولا يتم إنتاجه إلا في البيوت ومن قبل سيدات توارثت عملية صناعته عبر الأجيال.
ومن فوائد الكحل أن فيه حفظاً لصحة العين، وتقوية لبصيلات الأهداب فيحفظ الرموش فتطول أكثر، وبذلك تزداد قدرتها في حفظ العين من أشعة الشمس، والغبار والأوساخ، فتزيد الرؤية وضوحاً وجلاء.
ويختلف الكحل الطبيعي عن الكحل العربي الذي ينتج من حجر الأثمد المنتشر في بلاد الحجاز، حيث يتم وضعه في الماء لخمسة أيام ثم يجفف ويصفى ويطحن بالنهاية بشكل ناعم.
المصدر : آية صبيح – الوطنية