ضجة كبيرة أثارها قرار الحكومة بفرض خصومات مالية مؤقتة على موظفي السلطة الفلسطينية في قطاع غزة.
ويقول محللون إن هذا القرار سيؤثر بشكل كبير على الاقتصاد الذي يعتمد بشكل كبير على رواتب السلطة اللذين بمعظمهم عليهم التزامات بنكية بسبب قروض حصلوا عليها، ويعتمد بشكل أقل على رواتب موظفي حكومة غزة السابقة التي تصرف بنسبة 55% فقط.
ويرتبط الموضوع بجانب وجهه الاقتصادي، بأوجه سياسية تراكمت بسبب الخلاف السياسي بين حركتي حماس وفتح، والذي نتج عنه بعد أحداث الاقتتال الداخلي عام 2007، نشوء سلطتين سياسيتين وتنفيذيتين في قطاع غزة تديرها حركة حماس، والضفة الغربية تديرها حركة فتح.
وأكد المحلل الاقتصادي ورئيس تحرير صحيفة "الاقتصادية" محمد أبو جياب، أن الخطوة التي قامت بها الحكومة تنم عن أهدافٍ سياسية مرتبطة ببعد مالي واقتصادي تتركز في الإيرادات المحصلة من قبل حكومة غزة، مضيفًا "الهدف بشكل مختصر هو الحد من استفادة حماس من رواتب السلطة، من خلال التسهيلات المصرفية التي اتخذتها السلطة من خلال الاقتراض من البنوك".
وبيّن أبو جياب لـ الوطنية أن هذه القروض التي استفاد منها حوالي 85% من موظفي السلطة بغزة حرمت السوق الفلسطيني مما يزيد عن 50% من السيولة النقدية المُحولة عبر الرواتب الحكومية، وبقت حبيسة خزائن البنوك على شكل أقساط محصلة لصالحها.
وقال إن الموضوع لا يتعلق بما أسمته الحكومة الحصار الاقتصادي، " لأن أموال المقاصة تكفي وتزيد لتسديد فاتورة الرواتب"، موضحًا أن "السلطة تسعى إلى عملية تقشف، ومن غير المنطقي إجرائها على رواتب الموظفين وترك البنود الأكثر رفاهية في الموازنة العامة".
واستبعد أن تكون هناك أي علاقة بين أزمة الرواتب والأموال الأمريكية المجمدة، والتي تم الإفراج عنها من خلال تنفيذ مجموعة من المشاريع، مشيرًا إلى أن أموال دعم الموازنة غالبًا ما تكون من الاتحاد الأوروبي ومن بعض المنظمات الدولية والعربية والدول العربية الداعمة للسلطة الفلسطينية.
ويقول المتحدث باسم الحكومة طارق رشماوي في حديث لـ الوطنية إن هذا الإجراء يأتي في إطار محاولة الحكومة للاستمرار في دفع رواتب موظفي السلطة في غزة، وسط تغيير الدول المانحة لسياستها فيما يتعلق بتمويل خزينة الحكومة، موضحاً " أن السبب الرئيسي في ذلك هو الانقسام وقرصنة حماس".
مذبحة حقيقية
أما الخبير الاقتصادي أسامة نوفل وصف قرار الحكومة بالخصم من رواتب موظفي السلطة في غزة بـ "المذبحة الحقيقية"، ولها أبعادها وتأثيراتها الخطيرة.
وقال نوفل لـ الوطنية إن عدد موظفي السلطة الفلسطينية في قطاع غزة لا يتجاوز 60 ألف موظف، في حين أن موظفي الضفة الغربية أكثر من 100 ألف، متسائلًا "لماذا جاء التخفيض على موظفي غزة دون الضفة، إذا كانت هناك أزمة مالية كما يدعون".
وأوضح أن الآثار السلبية المترتبة على موضوع الخصومات ستطال قطاعات عدة، سواء كانت التجارية أو الصناعية أو الزراعية، وبالتالي سينعكس سلبًا على جميع القطاعات الاقتصادية، وسيؤثر على التجار والمزارعين وأصحاب المصانع وغيرهم.
وأشار إلى أن التخوف الأكبر يكمن في أن تتجه هذه التقليصات إلى التعليم والصحة والضمان الاجتماعي، حيث اعتبر أن "كارثة كبيرة" ستحل على قطاع غزة نتيجة لهذه القرارات التي وصفها بـ "غير المدروسة".
عقاب جماعي
بدوره، وصف المحلل السياسي طلال عوكل القرار بـ "السياسة الخرقاء"، مؤكداً أن ذلك سيعزز الانقسام وسيخلق أزمات ومشكلات لدى القطاع بشكل عام.
وقال عوكل لـ الوطنية إن "مشكلة الانقسام ليس معاقبة حماس، وإنما معاقبة جميع سكان قطاع غزة"، مشدداً على أن تولى حماس لمداخل قطاع غزة كلها "مبررات غير صحيحة، وأن اتخاذ هذا القرار في الوقت الحالي خاطئ، ولن يشكل الضغط الشعبي انفجارًا بوجه حماس".
ونوه إلى أن عجز الميزانية لا يبرر اقتطاع جزء من الرواتب، نظراً لوجود مصروفات جانبية كان من الممكن تخفيضها بدلاً من خصومات الرواتب، باعتبار الراتب حق وليس معولة إنسانية وشؤون اجتماعية، مضيفًا أن الحصار الاقتصادي مفروض على كل فلسطين وليس قطاع غزة فقط، ولابد أن يتحمل مسؤوليته الكل الفلسطيني.
أما عن علاقة قرار الخصومات بقرار التقاعد المبكر، أشار عوكل إلى أن مشروع القرار يستهدف موظفي غزة فقط، واصفًا أن هناك رغبة من الحكومة بـ "جعل غزة تزحف على بطنها وترفع الراية البيضاء".
وبيّن أنه قد يكون من وراء هذا القرار دوافع لاستهداف حركة فتح ذاتها، مشيراً إلى أن "من يدعي الديمقراطية ويطالب بالانتخابات لابد من أن يحسن وضعه مع الناس، وليس تدمير الجسور بينه وبين الجمهور الفلسطيني".
المصدر : خاص الوطنية