الساعة التاسعة صباحا من كل يوم، يتحول سرير المرض داخل قسم الدم بمستشفى الصداقة الفلسطيني التركي للأورام وسط القطاع إلى مقعد دراسي، على مدار ساعتين كاملتين، لإجراء عملية تقديم الاختبارات النهائية، لنيل شهادة الثانوية العامة.
الطالبة نور أبو عيادة 17 عاما، المصابة باعتلال خثري نادر جدا، يسمى مرض "صفيحات لغلانزمان" والذي يصيب الصفيحات الدموية، إلى جانب حاجتها إجراء عملية جراحية عاجلة لزراعة نخاع شوكي، لا تضطر إلى مغادرة سريرها الذي تلازمه منذ عدة شهور، وقطع مسافات طويلة وصولا إلى مراكز تقديم الاختبارات، للجلوس على مقاعدها كسائر الطلبة، فكل ما عليها هو تحريك جسدها، وأيضا التسلح بالعزيمة والإصرار، لتخط يداها مفارقة غريبة تشهدها غزة المحاصرة دون سواها.
تنهض نور، لتمسك قلمها بيمناها، وتمددها للكتابة على ورقة الامتحان، فتسحب معها أنبوبا مثبتا بذارعها، في مشهد يتكرر يوميا من التاسعة حتى الحادية عشرة صباحا، دون أن تشعر المعلمة المكلفة بمراقبة سير عملية الاختبار بتأوه فيها، بل تصاب بالدهشة من إرادة صلبة تجاوزت كل الصعاب.
رصدت "الوطنية نت" عملية تقديم نور اختبار التربية الإسلامية داخل غرفة العلاج، وفور الانتهاء مباشرة باشرت بدراسة مبحث اللغة الإنجليزية، استعدادا لاختياره بعد يوم واحد، دون أن تمنح نفسها وقتا للراحة،.
وتقول نور بابتسامة عريضة متغلبة على أوجاع فيها:" إنني أعاني من مرض خطير ونادر الحدوث، ولكنني في ذات الوقت أمتلك قدرات هائلة لم ينال منها هذه المرض، من خلالها سأهزم كل الأوجاع، وأنتصر لطموحاتي الكبيرة".
وتسترسل أبو عيادة:" رغم تدهور حالتي الصحية، وحاجتي الملحة لإجراء عمليات جراحية، تنعدم إمكاناتها في غزة، لكنني أصر على تخطي مرحلة الثانوية العامة بجد واجتهاد، لأحقق حلمي في دراسة التمريض، فأداوي أمراضا تستقر في أجساد غيري من المرضى".
وتوجه نور رسالة إلى الطلبة المرضى قائلة:" إنني جابهت كل الآلام، وانتصرت على مرضي، وعليكم أن تتبعوا ذلك، وتهزموا اليأس، وتفتخروا بقدراتكم التي من خلالها تتخطون الصعاب".
من جهة أخرى، يقول والد الطالبة أبو عيادة، والذي لم يبرح غرفتها إلا أثناء وقت الاختبار اليومي:" إن حلم حياة ابنتي تخطي مرحلة الثانوية العامة، وكون وضعها الصحي لا يمكنها من التواجد داخل لجان الامتحانات، فإن وزارة التربية والتعليم مكنتها من ذلك، وأتاحت لها الفرصة المناسبة، موفرة الإمكانات اللازمة، للتقدم باختبارات جميع مواد المنهاج الدراسي داخل غرفة العلاج.
المصدر : قطاع غزة – خاص الوطنية: